الثلاثاء، 20 يناير 2015

السفر وتأثر الزمن في الصيام

ما يلي جزء من أطروحة الماجستير أنشره تيسيرا للباحثين
لقراءة الرسالة كاملة من هنا

السفر وتأثر الزمن في الصيام

المطلب الأول : السفر والصوم :

أولا : تعريف السفر :

في اللغة[1]: السَّفَر من سَفَرَ أي وضح وانكشف ، يقال : سَفَر الصبح أي أضاء وأشرق ، وسفر الرجل سفرا أي خرج للارتحال ، وسَفَرَ الشيء سَفْرا أي كشفه وأوضحه ، والسَّفَر هو قطع المسافة وانكشاف الناس عن أماكنهم .

فالسفر إذن يدور حول معنى الوضوح والانكشاف ، والمعنى الشرعي لا يخرج عن المعنى اللغوي ، والسفر بمعنى قطع المسافات هو المراد هنا وفي تفصيلاته بعض من الخلاف كما سيأتي .

ثانيا : تحديد مسافة القصر في السفر :

قصر الصلاة الرباعية والفطر في شهر رمضان هما من ضمن الرخص الشرعية للمسافر ، ورغم وجود تيار يشترط مسافة للقصر أو الفطر حالة الصيام فإنه لا يسلم بهذا التحديد ، فقد سبقت القاعدة أنه إذا لم يقم الدليل على مقدار لم يثبت المقدار ، وكل ما يروى عن مسافة القصر هو نقل مسافات قصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم دون ورود تحديد نصي من الشارع بل قد نقل عنه القصر فيما هو دون مسافة القصر المشتهرة في كتب الفقهاء ، ومراعاة هذا الإطلاق ترجعه إلى العرف وبالتالي تتعلق الاعذار الشرعية بما يعد سفرا بالعرف[2]، والله تعالى أعلم .


ثالثا : مدة رخصة الفطر :

لم يرد في نصوص الشريعة اشتراط مدة محددة لرخصة الفطر أو القصر للمسافر سواء طال به السفر أو قصر أو طال مكثه في بلد لم ينو الإقامة فيه ، أما التقديرات التي ذكرها الفقهاء – كالأربعة أيام أو الخمسة عشر يوما -  فبعضها وارد في حالات خاصة كإقامة مهاجري الصحابة في مكة أو أنه مستند إلى أخبار عن مدة قَصَر صلى الله عليه وسلم الصلاة فيها دون تحديد منه أو إشارة أن المدة مقصودة لذاتها ولا يجوز تعديها ، وبالتالي يكون المرجع هنا أيضا العرف[3]، والله أعلم .

المطلب الثاني : تأثرالزمن في الصيام :

ما سبق الحديث عنه من زمن الصيام يمكن تسميته أنه زمن الحالات العادية أو الظروف الطبيعية تجاوزا ، فعند النظر في بعض حالات الصوم  فإن الزمن له تميز فيها ومغايرة عن الحالات الطبيعية ، يمكن أن ترجع كافة الحالات الطارئة لتغير الزمن إليها وهي :

1- الاختلال في العلامات الفلكية التي رتب عليها زمن الصوم أو فقدانها .
2- عروض تغير للمكان وقت الصوم ، كالانخفاض أو الارتفاع المؤثر ، وكالحركة المؤثرة اتجاه الشرق أو الغرب .

ومثل هذه المباحث محلها في مواقيت الصلاة والصوم تابع لها ، ولكن لا مانع من الإشارة إلى بعض منها بإيجاز للتنبيه على بعض أحكام الزمن في الصوم ، من ذلك  :

أولا : الصوم في المناطق القطبية وما قاربها :

تدور الأرض في حركة دائمة حول خط وهمي يسمى المحور، ويمر المحور بمركز الأرض وينتهي عند كل من القطبين. والطرف الشمالي للمحور هو القطب الشمالي، ويقع على بعد 90 درجة شمال خط الاستواء ، وطرفه الجنوبي هو القطب الجنوبي ويقع على بعد 90 درجة جنوب خط الاستواء .
ويبدأ الاختلال في النهار والليل كلما زاد القرب من أحد القطبين ، يبدأ ذلك من خطي عرض 49 شمالا وجنوبا إلى خطي عرض 66,5 شمالا وجنوبا وفي هذه المناطق يزداد طول الليل والنهار في عدد أيام من السنة ليأخذ أكثر ساعات اليوم مما يؤدي إلى طول النهار وقصر الليل أو العكس وفي بعض المناطق يتصل الشفقان – شفق الغروب والشروق - مما يؤدي إلى انعدام جوف الليل .
وابتداء من خط عرض 66,5 شمالا وجنوبا إلى خط عرض 90 شمالا و جنوبا يطول النهار ليصل إلى أربع وعشرين ساعة ثم إلى شهر ، فشهرين إلى ستة أشهر ، وينعدم الليل ، وبعدها يطول الليل وينعدم النهار فالسنة كيوم واحد ، ستة أشهر ليل لا شمس فيه ، وستة أشهر نهار لا ليل فيه[4].

فالليل والنهار يختل في المناطق القطبية وما قاربها وهذا الاختلال له حالات ثلاث[5]:

الحالة الأولى : غياب وقت العشاء بأن لا يغيب الشفق :

في هذه الحالة فإن النهار متمايز بعلاماته عن الليل ولكن الإشكالية فيها هي كون الليل شبه معدوم بحيث أنه بمجرد غروب الشمس فإن الإنسان لا يمكن أن يقيم صلبه بالطعام والشراب إلا وقد طلع عليه الفجر ، فهنا اتجاهات محتملة منها ما يذهب إلى إعمال الأصل وهو الصوم إن قدر عليه ووقته العلامات الفلكية المحددة له ويقضى الصوم في زمن آخر إن عجز عنه ، واتجاه آخر يذهب إلى التقدير بأقرب بلاد معتدلة النهار ويكون الفطر أو الإمساك بناء على هذا التقدير ولو تعارض مع وجود العلامات الفلكية كالإفطار قبل الغروب بناء على كون هذه الحالة حالة ضرورة واستثناء كما هو حال الصوم في البلدان التي يستغرق فيها الليل أو النهار اليوم بأكمله فإنه لا يلتزم بالعلامات الفلكية فيها .

الحالة الثانية : شمول الليل أو النهار لأكثر أجزاء اليوم إلا أنه يبقى متمايزا :
في هذه الحالة فإن الأصل العام أن يلتزم الصائم بالعلامات الفلكية ما دامت متمايزة سواء طال النهار أم قصر لعموم شريعة الإسلام لكافة الناس ، فإن كان النهار طويلا بحيث يكون معه العجز عن الصيام بدليل الأمارات أو التجربة أو إخبار من مختص فهنا يكون الفطر مستحقا ويقضى الصوم في زمن آخر .

الحالة الثالثة : امتداد الليل أو النهار أربعا وعشرين ساعة فأكثر :

في هذه الحالة فإن على أهل البلاد أن يقدروا زمنا لصومهم وإمساكهم وفطرهم ، وللمعاصرين في هذا اتجاهان هما : التقدير بوقت أقرب البلاد إليهم ، أو التقدير بوقت أهل مكة ، ومأخذ هذين القولين يتساوى من حيث الوجاهة فيخير أهل البلاد بينهما مراعين للأصلح لظروفهم .


ثانيا : الصوم في الطائرة والأبراج العالية وما يأخذ حكمهما :

الصوم في الطائرة أو أية وسيلة نقل مشابهة أو الانتقال من مكان منخفض إلى مكان مرتفع كما هو الحال مع الأبراج السكنية عالية الارتفاع ونحوها قد يخرج عن حالته الطبيعية المعتادة في المكان الثابت ، فهو يتأثر بعامل الارتفاع أو الانخفاض أو الانتقال وفق حركة الشمس إلى المغرب أو عكسها إلى المشرق ، وذلك لأن الشرع علق وقت الصوم على أسباب هي طلوع الفجر الصادق للإمساك وغروب الشمس للإفطار ، وهذه العلامات تتأثر بما سبق .
فيبقى الإمساك و الإفطار متعلقين بسببهما ، فيكون الإمساك والإفطار فيما سبق من الحالات مراعيا للسبب الشرعي ، ويؤخذ بعين الاعتبار أنه عند الارتفاع فإن طلوع الفجر يتقدم وقته أكثر من الانخفاض ، وكذلك غروب الشمس فإنه يتأخر وقته عند الارتفاع ويقصر عند الانخفاض ، وأيضا فإن الصيام مع الانتقال من الغرب إلى الشرق يجعل النهار قصيرا لما يحصل من تعجيل للغروب وفي عكس ذلك فإن النهار يطول لمجاراة الشمس في المسير إلى الغرب[6].


ثالثا : الصوم في الغواصة :

ركوب الغواصات شبيه بالوجود بالمناطق القطبية في عدم رؤية العلامات الشرعية وذلك لكونهم في أعماق البحر وظلمته ، ولكنه لا يلحقه فهو أقرب لمسألة السجين الذي لا يرى العلامات الزمنية الشرعية للعبادات كالصلاة والصيام فليزمه الاجتهاد ، فيصوم راكب الغواصة ويفطر تبعا للمكان الذي هو فيه ، فيلزمه في هذه الحال تحصيل مواعيد الفجر والغروب الخاصة بالمكان الذي هو فيه بالطرق المتاحة له كبرامج مواقيت الصلاة أو الإخبار عن طريق الاتصال بمن يمكنه تبين الوقت المراد اللازم له[7].
وبحسب البحث فإنه لم يظهر أن هناك من تناول اعتبار هذا النوع من الانخفاض سببا لتقدم وقت الإفطار أو الإمساك والظاهر أنه مستحق للاعتبار به كما اعتبر الارتفاع فالمنطق العلمي المعتبر للارتفاع مؤثرا هو عينه الذي يلزم اعتبار تأثير الانخفاض ، والله أعلى وأعلم .

رابعا : الصوم في الفضاء الخارجي :

وهذا بالنسبة لمستقلي المركبات الفضائية ومثلها من يكون على كوكب غير الأرض ، والحكم في هذه المسألة تبع لحكم الصلاة بالنسبة لرائد الفضاء ، فإنه يتبع في مواقيت الصلاة مواقيت البلد الذي خرج منه وكذلك الحكم بالنسبة للصوم[8].




[1] انظر : العين للخليل بن أحمد (7/246) ، لسان العرب لابن منظور الإفريقي (4/367) ، معجم مقاييس اللغة لأحمد بن فارس (3/82) ، المعجم الوسيط (1/433) .
[2] سلسلة الأحاديث الصحيحة لمحمد الألباني (1/257) .
[3]  انظر : مجموع الفتاوى لأحمد بن تيمية (24/136) ، حد الإقامة الذي تنتهي به أحكام السفر لسليمان الماجد ص 79.
[4] الموسوعة العربية العالمية  ، الفلك العملي ص 102 وما بعدها .
[5] انظر : المشكلات الفقهية في المناطق القطبية لعلي القره داغي ، الفتاوى دراسة لمشكلات المسلم المعاصر في حيلته اليومية العامة لمحمود شلتوت ص 144 ، الأحكام المتعلقة بالطيران وآثاره لفايز الفايز ص 137 ، الأحكام الشرعية في الأسفار الجوية لسعيد الكملي ص 96 ، الصيام الواجب في الفقه الإسلامي لعبد الهادي محمد ص 101 .
[6] انظر : الأحكام الشرعية في الأسفار الجوية لسعيد الكملي ص 93 ، الأحكام المتعلقة بالطيران وآثاره لفايز الفايز ص 209 .
[7] مواقيت العبادات الزمانية والمكانية لنزار محمود ص 324 و 633 ، ، الصيام الواجب في الفقه الإسلامي لعبد الهادي زارع ص 101
[8]  مواقيت العبادات الزمانية والمكانية لنزار محمود ص 632 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق