الخميس، 28 يونيو 2012

براءة الشريعة من منطق ( اسمع وأطع ولو ضرب ظهرك واغتصب أهلك ) مناقشة لمتن الحديث وسنده





( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )


هل تسمع و تطيع للحاكم و إن جامع زوجتك ؟!! نقد لسند و متن زيادة " اسمع و أطع للإمام و إن ضرب ظهرك و أخذ مالك اسمع وأطع "
ملاحظة : قد يستغرب البعض من السؤال لأن إجابته بديهية أصلا ... و هذا يدل على سلامة فطرتهم و دينهم
و لكن هذه التدوينة صيغت لحالات صعبة من الناس ، لنسأل الله لهم الشفاء و العافية .


الدين الإسلامي دين عزة و كرامة و لا يرضى بالإهانة و لا بالدياثة و يأمر بالدفاع عن النفس و الدين و المال و العرض و العقل حتى لو أدى ذلك إلى الشهادة

و لا يرضى بوجود الظلم و لا يقر بوجود ظالم بل يأمر بمحاربتهما معا تغييرا للمنكر و بالقيام بالحق

قال صلى الله عليه و سلم " إن الناس إذا رأو المنكر ولايغيرونه أوشك أن يعمهم الله بعقابه " و في رواية " إذا رأو الظالم فلم يأخذوا على يديه "

للأسف يجعل بعض الناس غيرهم يعيشون في زمن انبطاحي للحكام و خنوع لهم سواء عن حسن نية أو سوء نية بحجة الشريعة و أن هذا هو الدين ، و لكن الدين من قولهم و بهتانهم بريء

من تلك الحجج الواهية شرعا و عقلا و فطرة ، التمسك الأعمى بتصحيح الزيادة المنكرة سندا و متنا في حديث رواه مسلم متابعة  " اسمع و أطع للإمام و إن ضرب ظهرك و أخذ مالك فاسمع و اطع "

أحببت أضع نقدا حديثيا لهذه الزيادة المنكرة الشاذة المنقطعة ( كل ما سبق أوصاف علمية موجودة في هذه الزيادة ) من ناحية السند و المتن

و البداية مع النقد للمتن لأنه أكثر المنافحين عنها هم من المقلدين في علم الحديث فلا فائدة من النقاش في السند معهم و لكن في المتن لعل نفوسهم تستيقظ من سبات الجهل :

و عذرا لقراء المدونة الكرام عن أي شدة قد يلاحظونها في التدوينة لأنه لكل مقام مقال و لأن من أسباب ضياع الأمة هم هؤلاء الذين لبسوا على الناس دينهم فلا بد من مكافحة أفكارهم المنبطحة و الخانعة

النقد للمتن

كثيرا لا يفيد النقاش مع المبالغين في مسألة عدم جواز الخروج على الحاكم من الناحية الحديثية

من ذلك الزيادة المنكرة متنا و سندا في طاعة الحاكم

( و إن ضرب ظهرك و أخذ مالك )

و التي هي ليست لصالحهم أبدا ، و تمسك من يتمسك بها منهم دون علم يبين لك عدة أمور :

1- ضعف علميتهم في علم الحديث ( و لا أدري كيف تستقيم سلفية دون علم بالحديث ) و ضعف علمهم في الفقه أيضا ( أحكام الصائل )

2- التعصب لآراء مشايخهم دون دليل ( بل و هو العصمة لهم و التقديس الذي فيهم دون أن يشعروا به أو يعترفوا به )

3- من كثرة تمسكهم بظواهر النصوص صاروا ظاهرية كظاهرية ابن حزم رحمه الله - محشوم عنهم يا ابن حزم - التي ينتقدونها ، حتى باتوا لا يعملون أذهانهم في النصوص الشرعية ، و يكتفون بالتقليد و الجمود على آراء علمائهم فقط .

4- عدم قدرتهم على البحث و النظر العلمي ، و خاصة النظر المقارن في الآراء و الأدلة الذي من حرم منه فلا يستحق أن يوصف بالباحث عن الحقيقة أبدا .

العلم المقارن و النظر في الخلاف هو المفتاح إلى العلم و معرفة الحقيقة .

5- لا أريد أن أقول العزة و الكرامة

ذكرت مسبقا أن لا فائدة من النقاش حديثيا عن هذه الزيادة معهم

لذا فإني أطلب من المصححين للحديث

أن يجيبوني عن هذه الحالة ( و آسف على السؤال و لكنه لمغزى )

هل تسمع و تطيع للحاكم الذي ضرب ظهرك و أخذ مالك و إن جامع زوجتك ؟ أو أخذ والدتك وقطعها أمامك ؟ أو اختطف طفلتك ورفض إرجاعها ؟

مع العلم أنه مسلم و و مقيم للصلاة مطبق لأحكام الشريعة و لكنه فعل هذه المعصية فقط

فهل تسمع و تطيع له ؟!

لن أجد إجابة منكم مع أني أتمنى ذلك

و لكنها دعوة لمراجعة مناهجكم و إعادة التفكير في أمر سلفيتكم و فتح أذهانكم و النظر في نظرتكم السياسية للأمور من حولكم القائمة على جزئيات تزعمون أنها شرعية و الشريعة منها براء


على فكرة لن يجد أي شخص من العوام أي حرج في الإجابة مباشرة عن هذا السؤال

و إجابته حتما موافقة للشرع دون أن يعرف الشرع

فما بال أقوام يزعمون و العلم و لكنهم هنا .......... أكمل الفراغ بما تراه مناسبا

طيب ماذا لو أجاب هذا الشخص بنعم ؟!!

اجزم فورا أن الشخص صاحب الإجابة إنسان مريض مجنون ديوث لا يفقه في الشريعة شيئا
و لا يستحق أن ينادى بشيخ أو عالم

و ماذا لو أجاب بلا ، بل أقتله دون تردد

اعلم أن الذي أجابك شخص ذو فطرة سليمة و عقله سليم و فعله مقر بالشرع و لو لم يكن عالما

طيب ماذا لو أجاب بلا و أخذ يفصل في الحالات ؟!

 هذا متناقض، ويناقش بما يلي :

ليس الغرض هو إجابة السؤال ( خصوصا لمصححي الحديث ) و لكن الأهم هو ما بعد الإجابة على السؤال


أنت أقررت أنك ستقتله دفاعا عن عرضك ( أي إجابة غير هذه أصلا فيها دياثة الإسلام بريء منها و من يجيب بنعم فهو مجنون )

حسنا ماذا لو ضربك من غير حق أو أخذ مالك من غير حق ؟

أتي إلى منزلك و أوجعك ضربا هل تسكت ؟! و هل يأمرك الشرع بالسكوت ووجوب الطاعة ؟!!!

أو أنه أتى ليأخذ مالك رغما عنك دون حق ؟! هل تسكت ؟! و هل يأمرك الشرع بالسكوت و وجوب الطاعة ؟!!

إنه الغباء و الجهل بعينه الذي لا يقره دين

هذا ما ينبني على السؤال

و التفرقة بينهما تناقض و تخصيص العرض فقط بالقتل تناقض ليس من الشرع بشيء
فالدفاع عن العرض والدفاع عن المال والنفسه كلها حقوق ما يجب لأحدها يجب للآخر

هذا ما أردته من السؤال

لو جلست مرارا تشرح لمصححي الحديث أن سنده ضعيف منقطع

لن تصل إلى نتيجة معهم

فالحل هو الانتقال إلى المتن و مناقشتهم من خلاله ( فرق بين المناقشة للتضعيف و المناقشة على فرض الصحة )

أو بما أن عقل من يتبنى هذا المنطق في حكم المعدوم تحتم الانتقال إلى استعمال الغيرة لعلها تجعل العقل يستيقظ !!

و قد شاهدنا بما لا يدع مجالا للشك أن القوم لديهم عقدة تعظيم الحكام

و فوبيا إيذاء الحكام بأي شكل من الأشكال


الغرض ليس السؤال لكن ما بعد السؤال و ما يثيره السؤال

السؤال هو للتنبيه على ضياعهم و الإغراق فيه و هم يتوهمون أنها الشريعة و الشريعة من أفكارهم بريئة


النقد لسند الحديث


الجزء الثاني النقد الحديثي للسند

في هذا النقد الحديثي ذكرت اعتراضات المصححين مع الرد عليها لبيان تهافت أدلة المصححين

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ التَّمِيمِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ ح و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ أَخْبَرَنَا يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ أَبِي سَلَّامٍ قَالَ قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ كَيْفَ قَالَ يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ

محل النزاع :
لا خلاف في صحة الحديث إلا تلك الزيادة ( تسمع و تطيع للإمام و إن ضرب ظهرك و أخذ مالك فاسمع و أطع )
حجج الفريقين :

حجة المصححين الأولى :

أن هذا الحديث من رواية مسلم و تلقته الأمة بالقبول بل أجمعت عليه فهو صحيح بلا ريب .

رد المضعفين و حجتهم :
أن الحديث مسلم بصحته إلا زيادة ( ... و إن ضرب ظهرك و أخذ مالك إلخ )
ويرد على على حجة المصححين من ثلاثة وجوه :

أولا : بعدم حجية الإجماع السكوتي هنا ، لأنه لا ينسب إلى ساكت قول و لأن من ادعى الاإجماع فقد كذب .

و صدق أحمد شاكر حين قال : الفقهاء إذا أعيتهم الأدلة و النصوص لجؤوا إلى الإجماع ، أو كما قال .
و هذا واقع و للأسف

ثانيا : على فرض حجيته ، فإنه لم ينعقد الإجماع على صحة ما في الصحيحين حديثا حديثا أصلا ، حتى يلزم المخالف بهذا الإجماع و حتى يشمل الإجماع تلك الزيادة المنكرة

قال الشيخ محمد الأمين ( ليس هو الشنقيطي و هذا لقب للشيخ و ليس اسمه على ما يبدو ) في كتابه ضعيف البخاري و مسلم :
نعم، أجمعت الأمة على أن جمهور الأحاديث التي في الصحيحين صحيحة. هذا الذي نقله الحفاظ الكبار وتداولوه. فجاء من بعدهم أقوامٌ ما فهموا مقالتهم، فأطلقوا القول وزعموا أن هذا الإجماع شاملٌ لكل حرفٍ أخرجه البخاري ومسلم بلا استثناء. وصاروا يضللون كل من يخالفهم. ولا حول ولا قوة إلا الله.

قال الحافظ أبو عُمْرو بنُ الصَّلاح في مبحثِ الصحيح، في الفائدة السابعة (ص27): «... ما تفرّد به البخاريُّ أو مسلمٌ مندرجٌ في قَبيلِ ما يُقْطَعُ بصحته، لتلقّي الأمّةِ كل واحدٍِ من كتابيهما بالقبول، على الوجه الذي فصّلناه من حالِهما فيما سبق، سوى أحرفٍ يسيرةٍ تكلّم عليها بعضُ أهلِ النقدِ من الحُفّاظِ كالدارَقَطْني وغيرِه. وهي معروفةٌ عند أهل هذا الشأن». فاستثنى ابن الصلاح بعض الأحاديث من هذا الإجماع. فجاء بعض من بعده فعمّم كلامه وأساء إلى الأئمة. بل أساء إلى نفسه، وما يضر الأئمة أمثاله.اهـ

على فكرة :
وضح الإمام مسلم رحمه الله أنه لم يشترط الصحة لجميع أحاديث صحيحه ، بل ذكر أنه يذكر في المتابعات ما هو معلول ..

لكن أين من يقرأ ؟ وأين من يفهم ما يقرأ ؟ ويمكن للمختص أن يراجع مقدمة صحيح مسلم .


الثالث : و هو في حق هذه الزيادة في هذه الرواية :
أولا هذه الرواية لذاتها محل نظر لأنه ليس فيها تصريح بالسماع :

لنتأمل في السند :
عَنْ أَبِي سَلَّامٍ قَالَ قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ

و لفظ قال من صيغ التدليس لا من صيغ التحديث

لذا يظهر أن الإمام مسلم قصد بها المتابعة و قد صرح في مقدمة صحيحه أنه يذكر أحيانا الأحاديث في المتابعات ليبين علتها و هذا جزما منها لا سيما و أن صيغة التدليس لا تخفى على من له أدنى نظر في علم الحديث

و لا عزاء للمكتفين بذكر الإمام مسلم للحديث في صحيحه و هم لم يفهموا منهجه و لم يقرؤوا مقدمته أصلا ليعرفوا منهجه

طيب ما حال هذا التدليس هل هناك اتصال في السند أم لا ؟!

الحديث بهذه الرواية و الزيادة منقطع بإجماع المحدثين

لأن أبا سلام لم يسمع من حذيفة

كما قال الدراقطني : وهذا عندي مرسل لأن أبا سلام لم يسمع حذيفة

و النووي وافقه في أن أبا سلام لم يسمع من حذيفة ، و إنما ذكر شاهدا ظن أنه يقويها ، و هذا ما لم يفهمه بعض من صحح الحديث بقول النووي

قال الشيخ مقبل :
هذا وفي حديث حذيفة هذا زيادة ليست في حديث حذيفة المتـفق عليه وهي قوله :" وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " فهذه الزيادة ضعيفة لأنها من هذه الطريق المنقطعة والله أعلم

قال الذهبي عن أبي سلام :
أبو سلام ممطور الحبشي، ثم الدمشقي، الاسود الاعرج، وقيل: إنما قيل له الحبشي نسبة إلى حي من حمير، فالله أعلم.
من جلة العلماء بالشام.
حدث عن حذيفة، وثوبان، وعلي، وأبي ذر، وعمرو بن عبسة، وكثير من ذلك مراسيل كعادة الشاميين يرسلون عن الكبار، وروى أيضا عن أبي
أمامة الباهلي، وعبد الرحمن (1) بن غنم، وأبي أسماء الرحبي، وأبي مالك الاشعري، والنعمان بن بشير، وطائفة.

و المرسل منقطع و الخلاف فيها هو في إرسال كبار التابعين و ليس بن سلام منهم

طيب هل تفرد بهذه الزيادة بن سلام ؟

نعم ، قال الطبراني في المعجم الأوسط (3/190) حديث رقم : 2893 ،
لم يرو هذا الحديث عن يحيى إلا عمر تفرد به بن سلام

فمسألة التفرد و الانقطاع و أنها منكرة المخالف فيهم لا حجة له إلا أن يأتي ببينة

يستدل البعض بقول الدارقطني ( ولكن معناه صحيح ) !! رافضا بهذه الجملة جميع الأدلة ،  وناسيا أن تصحيح المعنى لا يلزم منه تصحيح السند ، ولكن تصحيح المعنى يقصد منه أن هناك أحاديث أخرى صحيحة تشهد لهذا المعنى

لذا فمن يستدل بتصحيح الدارقطني للمعنى فليقم مشكورا بإثباث حديث صحيح صريح واحد يفيد أن الحاكم تجب له السمع و الطاعة مهما اعتدى وبغا !!

باختصار : لن يجد ( لن زمخشرية )

ننتقل الآن إلى مسألة الشواهد ...

رد المصححون على الاعتراض الأخير :

أننا نسلم ما سبق و لكن هناك متابعة ذكرها النووي ....

المتابعة التي ذكرها النووي ما هي ؟

يقصد رواية مسلم الأصلية التي ليس فيها تلك الزيادة ( و الرواية الأصلية منقولة في آخر البحث )

لنقرأ كلامه جيدا

" لكن المتن صحيح متصل بالطريق الأول ، وإنما أتى به مسلم بهذا متابعة كما ترى ، وقد قدمنا في الفصول وغيرها أن الحديث المرسل إذا روي من طريق آخر متصلاً تبينا صحة المرسل ، وجاز الاحتجاج به ، ويصير في المسألة حديثان صحيحان "

مع العلم أن الطريق الأول الذي قصده النووي ليس فيه الزيادة المنكرة ( تسمع و تطيع للإمام و إن ضرب ظهرك ... )

طيب هل ما قاله الإمام النووي من ناحية التنظير صحيح و هل ينطبق على هذا الحديث ؟!
الحديث المرسل إذا روي من طريق آخر متصلا تبينا صحة المرسل ؟!!
كلام النووي من ناحية التنظير نعم صحيح و لكنه لا ينطبق على هذا الحديث لماذا ؟!

كلام النووي لم يتطرق إلى مسألة الزيادة في في الحديث المرسل الذي وافق حديثا صحيحا ليست فيه تلك الزيادة الموجودة في المرسل

فهذه حالة أخرى لأن شرط قبول المرسل في هذه الحالة ألا تكون فيه زيادة تضيف حكما غير موجود في الحديث الأصلي ( و هي موجودة في هذا الإرسال )

يعني تطبيق النووي خطأ هنا لوجود الزيادة المنكرة و استدلاله خاطئ

طيب هل استدلال الشيخ الألباني هو نفس استدلال النووي ، و ما دليله ؟!

لا استدل الألباني رحمه الله على تحسين هذه الزيادة من طريق آخر موجود عند أبي داود و أحمد و إسناده مختلف ...

و نعم الزيادة موجودة فيه و بناء على ذلك حسن الألباني الحديث ( و من مناهج الألباني التي لم يقره عليه كثير من المحدثين المعاصرين و خالف فيها كثيرا من قواعد السابقين التساهل في المتابعات جدا جدا ، والمختص المتجرد يدرك ذلك )

و لكن

لننظر إلى إسناده
عن قتادة عن نصر بن عاصم الليثي عن سبيع بن خالد

العلة في هذا الحديث باختصار

قتادة مدلس و من يذكر إسناد أبي عوانة فقد شطط فأبو عوانة ضعيف في قتادة
و سبيع بن خالد و البعض قال هو نفسه خالد بن خالد المهم

الرجل مقبول بشرط المتابعة ؟!!! لأنه مجهول الحال قطعا

السؤال هنا ما هي المتابعة ( السليمة من الاعتراض و الجابرة للضعف ) في حديث سبيع بن خالد عن حذيفة ؟!!!

لا توجد ، إسناد ضعيف فيه مدلس و قد عنعن و رجل مجهول الحال يحتاج بنفسه إلى متابعات ... فعلى ماذا التعصب و التشنج إلى تصحيح هذا الحديث اللامعقول ؟!!!

إذن كل الشواهد التي فيها الزيادة معلولة .... لا يصح التساهل في تصحيحها و جعلها أصلا من أصول الدين و تستباح بها الأعراض و الأموال و الأنفس

ختاما ما هي الرواية التي ذكرها مسلم على انها هي الصحيحة موافقا للبخاري عليها ؟!

ذكر الإمام مسلم قبل هذه الرواية التي هي من باب المتابعات المعلولة الرواية التي لا لبس فيها لهذا الحديث و هي :


1847 حدثني محمد بن الْمُثَنَّى حدثنا الْوَلِيدُ بن مُسْلِمٍ حدثنا عبد الرحمن بن يَزِيدَ بن جَابِرٍ حدثني بُسْرُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ أَنَّهُ سمع أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ يقول سمعت حُذَيْفَةَ بن الْيَمَانِ يقول كان الناس يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ e عن الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عن الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فقلت يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كنا في جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا الله بهذا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هذا الْخَيْرِ شَرٌّ قال نعم فقلت هل بَعْدَ ذلك الشَّرِّ من خَيْرٍ قال نعم وَفِيهِ دَخَنٌ قلت وما دَخَنُهُ قال قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ منهم وَتُنْكِرُ فقلت هل بَعْدَ ذلك الْخَيْرِ من شَرٍّ قال نعم دُعَاةٌ على أَبْوَابِ جَهَنَّمَ من أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فيها فقلت يا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لنا قال نعم قَوْمٌ من جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا قلت يا رَسُولَ اللَّهِ فما تَرَى إن أَدْرَكَنِي ذلك قال تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ فقلت فَإِنْ لم تَكُنْ لهم جَمَاعَةٌ ولا إِمَامٌ قال فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ على أَصْلِ شَجَرَةٍ حتى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ على ذلك

هذه الرواية هي ما اتفق عليها البخاري و مسلم

و هذه رواية البخاري للتأكيد

3411 حدثنا يحيى بن مُوسَى حدثنا الْوَلِيدُ قال حدثني بن جَابِرٍ قال حدثني بُسْرُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ قال حدثني أبو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سمع حُذَيْفَةَ بن الْيَمَانِ يقول كان الناس يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ e عن الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عن الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فقلت يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كنا في جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا الله بهذا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هذا الْخَيْرِ من شَرٍّ قال نعم قلت وَهَلْ بَعْدَ ذلك الشَّرِّ من خَيْرٍ قال نعم وَفِيهِ دَخَنٌ قلت وما دَخَنُهُ قال قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ منهم وَتُنْكِرُ قلت فَهَلْ بَعْدَ ذلك الْخَيْرِ من شَرٍّ قال نعم دُعَاةٌ إلى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ من أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فيها قلت يا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لنا فقال هُمْ من جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا قلت فما تَأْمُرُنِي إن أَدْرَكَنِي ذلك قال تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ قلت فَإِنْ لم يَكُنْ لهم جَمَاعَةٌ ولا إِمَامٌ قال فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حتى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ على ذلك


ليس فيهما تلك الزيادة المنكرة المنقطعة تسمع و تطيع للإمام و إن ضرب ظهرك و أخذ مالك فاسمع و أطع

بل هي مما يجب تنزيه الشريعة الإسلامية عنه و تجب محاربتها و إبطالها و تنزيه منابر المساجد منها و من متعصبيها

و على المبالغين في طاعة الحاكم أن يتقوا الله و يتثبتوا في أمر الدين خصوصا لمن علم بضعف هذه الزيادة و أنه لا حجة له في تصحيحها ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمع ضعفها

( ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون )

هذا و الله أعلم و هدانا الله و المخالفين و جميع المسلمين لمعرفة الحق


لا للانبطاح و الرضى بالفساد باسم الدين

دمتم منمنمين بالكرامة والعزة
محمد الفودري

ما هي العصا السحرية لحفظ القرآن الكريم ومراجعته بإتقان ؟


تنبيه : الموضوع يصلح أيضا لحفظ كافة النصوص ( الأحاديث النبوية ، النصوص الشعرية ، المتون المهمة ، المذاكرة الدراسية ... إلخ )


ما هي العصا السحرية لحفظ القرآن الكريم ومراجعته بإتقان ؟

حينما يبدأ البعض رحلته في نيل شرف حفظ القرآن الكريم  ، تبدأ معهم رحلة البحث عن الحلول السحرية للوصول إلى هذا الهدف السامي الذي هو بداية لأهداف أخرى .

ولنرجئ الحديث عن الحلول السحرية للحفظ وسيأتي الحديث عنها في الخاتمة ، ولكن إن أراد أي إنسان أن يحفظ فكيف يحفظ حفظا متقنا ؟ وما الفرق بين الحفظ والمراجعة ؟ وما هي العوامل المحفزة والمشجعة للحفظ ؟

سيتم تناول ما سبق بإيجاز مع بعض متعلقات الحفظ ، يمكن اعتبار الموضوع خلاصة لكل ما يكتب في هذا المجال، والإيجاز فصاحة واجبة في زمن التويتر ..

أولا : الحفظ :

باختصار شديد فإن ركن الحفظ وأساسه هو " التكرار باستيعاب " يعني عملية تكرار النص المراد حفظه مع حضور الذهن أثناء عملية التكرار هذه ..

ويجب أن يتم التركيز على أهمية وجود الاستيعاب أو التركيز الذهني أثناء عملية الحفظ وإلا فإن التكرار سيكون عديم الأثر والنتيجة

أذكر مرة أن أحدهم جلس يكرر حديثا نبويا لا يتعدى الخمسة أسطر من العصر إلى المغرب فلما أتى وقت التسميع لم يستطع أن يذكر الحديث رغم تكراره له !! لأنه ظن أن مجرد التكرار سيؤدي إلى الحفظ ولكنه نسى التركيز الذهني .

ما الذي يعني ذلك ؟

يعني أنه يجب على المرء أن ينتهز حالات تركيزه الذهني وتجنب أوقات الاجهاد أو تشتت الذهن حتى يكون للتكرار قيمة في الحفظ ...

# هل هناك أمور يجب مراعاتها قبل البدء بعملية التكرار ؟

نعم فقبل أن يحفظ المرء الآيات فإنه ينبغي له التأكد من إتقانه لقراءتها قراءة صحيحة بلا أخطاء ، ولا يقصد هنا التجويد ، بل التأكد من تهجئة الكلمات وضبط تشكيل الحروف ، حتى لا يحفظ الإنسان الوجه بأخطاء ، ومشكلة هذه الزلة أنه إذا حفظ الإنسان آية بخطأ ما ثم ينتبه له متأخرا بعد تمام الحفظ فإنه وقت استحضاره أو تلاوته للآية فإن الخطأ المحفوظ هو الذي سيتبادر إلى الذهن أولا مما يسبب الربكة وخاصة أثناء القراءة في الصلاة أو المشاركة في المسابقات .

# طريقة التأكد من تصحيح الوجه تكون من خلال :

1- القراءة على مختص كمحفظ أو حافظ سابق للوجه .

2- إن تعذر وجود المختص ، فهنا يستمع الإنسان إلى إحدى التسجيلات للآيات المراد حفظها على الأقل ويكرر معها بلسانه دون اكتفاء بالاستماع ، ويستحسن الزيادة على هذه العملية من خلال تسجيل الإنسان لقراءته ومقارنتها لما سمعه ، لأنه قد وجدت بعض الحالات التي تكتفي بالسماع لكنها وقت الحفظ لا تنتبه أنها حفظت الآيات بأخطاء ليست موجودة في التسجيل ، فالبعض قد يظن أنه ينطق كما سمع ولكن الواقع ليس كذلك .

# طرق التكرار :

لأن الأذهان تختلف فيما بينها وليس البشر على مستوى واحد وقدرات واحدة فإن عملية التكرار وأثرها في الحفظ يختلف من شخص إلى آخر ..

فعملية كثرة تكرار الوجه أو الربع قد تجد من له القدرة على الحفظ السريع وقد تجد بطيء الحفظ ، فالذي يحدد عدد مرات التكرار هو الشخص نفسه لا غيره من خلال محاولاته الأولية للحفظ ، فما يصلح للبطيء لا يصلح للسريع وما يصلح للمبدئ لا يصلح للمتقدم ، لذا فإنه من السطحية جعل عدد ملزم للتكرار يناسب جميع البشر ..

وأيضا فإن هناك من الآيات ما لا يتطلب عددا كبيرا من محاولات التكرار وهي مختلفة باختلاف كل شخص وظروفه ، فكل إنسان سيجد أنه من السهل أن يحفظ الآيات التي يرددها كثيرا إمام مسجدهم فيكون لها اعتياد ذهني مسبق ، أو سور يحبها ويتعلق بها لبعض التأثيرات أو الذكريات أو الظروف الشخصية ( وللمحبة والتعلق دافع عجيب في الحفظ )

يعني باختصار مسألة التكرار نسبية تختلف باختلاف الأشخاص والآيات والظروف ..

#علامة الاستغناء عن التكرار هي القدرة على السرد عن غيب .

# التكرار أنواع :

1- فهناك من البشر من يفضل الحفظ إذا كرر الآيات بلسانه وصوته :
وهذا التكرار أساسي ولا غنى عنه ، والبعض يضع له صورا شكلية لكن لا علاقة لها بمسألة الحفظ ..

2- وهناك من يفضل الحفظ من خلال الاستماع :
وهنا يجب أن يختار الإنسان القراء الذين يحبهم هو لا غيره ، وليس ملزوما أن يستمع إلى التلاوات الجافة ( تجويد بحت دون أي إضافات وكأنها قراءة آلية ) بل يختار الترتيل الذي يحبه هو والأصوات المفضلة لديه .

3- وهناك من يفضل الحفظ من خلال الكتابة :
لها حالاتان : أن ينقل الإنسان ما يكتبه من المصحف ، أو أن يستمع للقراءة ويكتب ما يسمعه

الأولى هي ركن أصيل والاقتصار عليها شائع والثانية منتشرة والثالثة قليلة

# هذه الطرق الثلاثة : الشفوي ، أو السمعي ، أو الكتابي ، مردها إلى ركن الحفظ الذي هو التكرار باستيعاب ، وبالجمع بينها فإن الذهن يكون قد كرر الآيات بطرق مختلفة وهناك فعلا من لا يحفظ إلا بالجمع بين هذه الطرق ونتيجة الحفظ لديهم تكون متقنة ، نعم هي تأخذ جهدا ووقتا ولكن نتيجتها مستحقة .

فيكون التكرار الشفوي حتى يتم تثبيت 30% من الوجه كتقريب ثم يستمع للآيات ويكتبها في نفس الوقت ( عملية قد تكون طويلة لكن نتيجتها طيبة خاصة لمن له مشكلة في الحفظ )

# نصائح بدايات الحفظ :

الحفظ كالرياضة واللياقة البدنية ، تبدأ ضعيفة وتقوى بالممارسة ، فقد تكون هناك بعض الصعوبات بالبداية وحلها هو الحفظ المستمر ومعروف أن ( قليل مستمر خير من كثير منقطع )
وكذلك يجب أن تراعي دورات القرآت هذه المسألة فتبدأ بالتدرج مع المستجدين ، وتلزم المتفوقين بقليل مستمر متقن ، أما الزيادة فكل إنسان وطاقته بشرط الاتزام بالقليل المستمر .

# ما الفرق بين الحفظ والمراجعة ؟  وما هي طرق المراجعة ؟

باختصار وتجنبا للإطالة :

- الحفظ الهدف منه هو القدرة على استحضار الآيات عن غيب ، أما المراجعة فهي تأكيد ما تم حفظه وتهدف إلى تقويته في الذاكرة للاحتفاظ به لأطول مدة ممكنة ، فالحفظ تكوين لمادة تثبت بالذهن والمراجعة تكرار واستحضار لما علق بالذهن وتقوية له .

# ما هو ركن المراجعة ؟

أيضا هو التكرار ولكنه هنا ينقسم إلى نوعين :

1- تكرار حاضر : من خلال القراءة من المصحف أو الاستماع إلى تلاوة .

2- تكرار عن غيب : وهذا هو الأهم وهو الذي يوصل إلى الإتقان وهو أن يكرر الإنسان ما حفظه عن غيب ، بالاعتماد على ذاكرته فقط ، كالتسميع عن غيب ، أو القراءة خلال الصلاة.
وكثرة تكرار هذا النوع هي أكثر ما يفيد الحافظ وجميل أن يضيف إليه طرقا أخرى (الاستماع ، الكتابة عن غيب ، التصحيح للآخرين عن غيب )

# ما هي أوقات الحفظ أو المراجعة ؟

هي أوقات وجود تركيز الإنسان ونشاط ذهنه أو على الأقل عدم إنهاكه ، وأفضلها من خلال التجارب والتتبع وقت الاستيقاظ لصلاة الفجر أو ما قبل الفجر ( أو أي استيقاظ بعد نومة ليلية كافية غير مفرطة يكون الذهن بعدها جاهزا لتلقي المحفوظات دون جهد يذكر ) ولكن الصعوبة هنا فقط في مغالبة النعاس وانتهاز الفرصة ، ولا بد من التأكيد على أهمية وجود قدر من النوم مريح للإنسان دون أيكون زائدا عن المعدل الطبيعي . ( خمسة ساعات ممتازة ، وخاصة لأهل الدورات ) لذا يجب تجنب السهر .

# أحيانا يصاب ذهني بالشلل والعجز التام عن الحفظ رغم أن عادتي هي سرعة الحفظ والمواظبة ، فما الحال ؟

هذه الحالة شبيهة بحالة تجمع الغيوم ونزول المطر بشدة ، هل تستطيع أن تفعل شيئا وقتها ؟ لا .
الحل انتظر أن تتوقف العاصفة من خلال :
حاول تغيير أفكار الذهن وابتعد الحفظ فورا ولكن قم وافعل أشياء أخرى كالوضوء أو الاستحمام ، أو عمل رياضة ، أو الحديث مع الآخرين قليلا ( طبعا دون تشويش عليهم وإلهاءهم ) وكل إنسان لديه ما يزيل هذه العاصفة عن ذهنه ، لذا يجب أن يوقفها ، ثم يعود إلى الحفظ .
وهذه الحالة تكثر في الدورات المخصصة للحفظ .


# ما هي العوامل المساعدة والمشجعة على الحفظ والمراجعة وإتقان القرآن ؟؟

العوامل المشجعة نوعين :

1- داخلية ذاتية : أي أنها تنبع من ذات الإنسان وتحفيزه الداخلي لذاته ونفسه ، وذلك من خلال عدة أمور :
- القراءة عن فضل القرآن وأجر تلاوته وتقدير أهميته من خلال النظر في كتب فضائل القرآن والأحاديث الواردة في ذلك والأجور المترتبة عليه .
- تحديد الإنسان لرسالته وأهدافه في الحياة وجعل القرآن الكريم منها ، وجعل مكافأة لنفسه إن أتم الحفظ أو المراجعة .
- تقديره لأهمية القرآن الكريم العلمية وأثره على الواقع وتفوقه على غيره ، وتقدير أنه كلام أعظم محبوب وهو الله سبحانه وتعالى ، والمحب يضع كلمات محبوبه في قلبه دائما ، وبكلام آخر يجب إعطاء نظرة تقديرية للقرآن تجعله مدركا لأهمية حفظه .
وتكتسب هذه النظرة من خلال البحث والسؤال والتحري الصادق .
- الرياضة .
ونحو ذلك من الامور

2- خارجية : أي لها علاقة بمحيط الإنسان وبيئته ، أمثلة مهمة لها:
- جو حلقات القرآن ومنافسة الأصدقاء :
يقولون ضع نفسك في بيئة نشيطة وستنشط وضع نفسك في بيئة كسولة وستكسل ، أهمية جو النشاط مهمة في تحفيز الإنسان ، وكذلك فإن جو الحفظ مع وجود شركاء وأصدقاء يشعل طاقة المنافسة وبالتالي زيادة الهمة .

- المشاركة في المسابقات القرآنية ومتابعة حفلات تكريم الفائزين بها ، وكذلك حضور لحظات ختم القرآن لأحد المعارف مثلا .

- الوعد بجوائز أو هدايا من قبل الوالدين أو المعارف أو اللجان .

( خطأ كبير يقع به البعض أن يجعل حفظ القرآن عقوبة للصغار أو استخدام القسوة معهم ، نعم هناك من يفعل ذلك مع الأسف ولهذا نتائج سلبية )

# والآن ما هي العصا السحرية لإتقان حفظ القرآن ومراجعته ؟

باختصار

لا وجود لعصا سحرية تمكن الإنسان من الحفظ الخارق المتقن ، بل هو الجد والاجتهاد والمثابرة واستغلال الظروف والإمكانية المتاحة ، والتضحية ببعض اللذات ونفائس الأوقات حتى يتوصل المرء إلى تحقيق هذا الهدف .

أعلم أن البعض قد يحبط ولكن هذا الواقع بعيدا عن اليوتوبيا والخيالات

أذكر مرة في إحدى الجلسات الخاصة مع أحد أئمة الحرم المدني المهتمين بقضية طرق حفظ القرآن الكريم أنه سأله أحد الأشخاص :

يا شيخ ما هي الطريقة المثالية للحفظ ؟

أجابه باختصار : التكرار !

صدم السائل من إجابة الشيخ وكأنه كان يتوقع أن يدله على عصا سحرية أو ( USB ) ينقل إليه القرآن الكريم مباشرة في ذهنه !! سأله مصدوما : يعني فقط أكرر ؟؟

أجابه الشيخ : نعم اجتهد وكرر ...

فهذا هو سبيل الحفظ والتحصيل لا سبيل غيره ، وحفت الجنة بالمكاره ، ومن طلب الحسناء لم يغله المهر ...

وفق الله الجميع لما أحبه

دمتم منمنمين بالسعادة والطموح
محمد الفودري

لمن يستفسر عن قضية كيفية التعامل مع متشابهات القرآن ، فليتفضل بقراءة هذا الموضوع :

هل هناك حاجة لكتب متشابهات ألفاظ القرآن ؟؟ وهل هي ضارة للحافظ أم نافعة له ؟


الأربعاء، 27 يونيو 2012

حقيقة التلبس الشيطاني وتحكم الجن ببدن الإنسان وجوارحه


عرض موجز لحقيقة تحكم الجن ببدن الإنسان وكيف ظهرت هذه الخرافة ؟


زبدة المقالة : نعم قامت الأدلة على أن الجن ((( يدخل ))) في بدن الإنسان ، ولكن ما هو الدليل على أن الجن ((( يتحكم ))) ببدن الإنسان و يتكلم على لسانه ، الأصل في العقائد التوقيف والأدلة الشرعية دلت على الدخول فقط فمن زعم أن الجن يتكلم بلسان الإنسان و يتحكم بجوارحه فهو مطالب بالأدلة ، وكيف نشأت هذه الخرافة يا ترى ؟

ولا يصح الاستدلال بأدلة دخول الجن في بدن الإنسان  لإثبات مسألة التحكم ببدنه فكل منهما مغاير للآخر

ملاحظة : أفضل في مثل هذه النقاشات اجتناب كلمة تلبس فهي مما يزيد الخلاف فالبعض يفهم أن التلبس هو التحكم مع الدخول ، والبعض يفهم منه أنه هو مجرد الدخول في بدن الإنسان فقط  والبعض يفهم أنها التحكم فقط، ولهذا سيجد المتتبع للقضية سبب الاختلاف هو تغاير فهم هذه اللفظة ...

لذلك ليترك المتناولون للمسألة لفظ التلبس  وليثبتوا قضية التحكم بالبدن وجوارح الإنسان ، وليأت المخالف بالأدلة الصريحة الصحيحة على كلامه وله من مخالفه الإذعان لأدلته ، لو أتى بها...

####

هذه القضية مما يكثر فيها النقاش و فيما يلي عرض للقضية باختصار شديد

تحرير محل النزاع بين الطرفين :

الوسوسة و التأثير النفسي من إثارة الغضب و الجزع و الكبر و نحو ذلك فهذا ثابت و مما لا خلاف فيه و على هذا يحمل معنى الدخول الذي ثبت في بعض الأثار ويقتصر الدخول عليه

و الأثار التي صرحت بالدخول لم تقل أن هذا الدخول ينتج عنه التحكم و الإيذاء الحسي أبدا و لا يجوز الاستدلال بها على قضية التحكم بالإنسان

طيب و قضية  التحكم في بدن الإنسان و النطق على لسانه هل فيها نص صريح ؟

لا

لا يوجد أي نص صريح من القرآن أو السنة يصرح بأن الجن يتحكم بجوارح بالإنس  و يدخل فيه متحكما به ومغيرا لشخصيته و غير ذلك من الخزعبلات التي يجب تطهير الشريعة منها

إنما هي أمراض نفسية بل قل تمثيليات مزعومة يقوم بها ضعاف العقول أو مرضى نفسيون حقيقة

كما أنه لا يوجد أي نص صريح من القرآن أو السنة ينفي الموضوع بصراحة تامة أيضا

و لكن من ناحية منطقية الاستدلالات فالقول قول من منع من تلبس الجن بالإنس

قال تعالى :

( إن كيد الشيطان كان ضعيفا )

فلو كان قادرا على التلبس لكان كيده قويا لا ضعيفا

و أيضا قوله تعالى عن الشيطان

( و ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي )

ففي الآية تصريح أنه ليس هناك سبيل للشيطان على الإنسان إلا الوسوسة
ففيما سبق أدلة قوية المعنى و الاستدلال تبطل خزعبلات (( التحكم ))



طيب و ماذا نقول عن قوله تعالى عن حال آكلي الربا :

( الذي يتخبطه الشيطان من المس )

يجاب أنها ليست صريحة بالتلبس و إلا فما معنى المس الذي ذكره أيوب عليه السلام ( أني مسني الشيطان بنصب و عذاب ) هل يدخل الجني في الأنبياء و يتحكم بهم ؟!!!

و قال البعض أن هذا يكون في يوم القيامة لأن الآية قالت ( لا يقومون ) يعني في يوم القيامة ( إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) فيكون ذلك علامة لهم في البعث

طيب وحديث إن الشيطان يجري من الإنسان فجرى الدم ؟!!

يجاب عليه بإكمال الحديث الذي هو في قصة مشي النبي صلى الله عليه و سلم مع صفية حيث قال فيه :

( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم (( و إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا )) فهل الحديث أفاد التحكم أم أنه أفاد الوسوسة فقط ؟؟


طيب وماذا عن ما يحكى من الإجماع ؟!

الإجماع فيه كلام طويل و لكن أفضل ما يقال عن مثل الإجماع الوارد في هذه القضية أن الإجماع دليل من لا دليل له و صدق أحمد شاكر حين قال أن الفقهاء إذا أعياهم البحث عن الدليل لجؤوا إلى الإجماع ....

و هذا إن كان الإجماع المنقول قد تطرق فعلا إلى مسألة التحكم بالإنسان

أما لو اكتفي بأنه تطرق إلى مسألة الدخول فهو غير صريح في المسألة بتاتا

فالدخول و الوسوسة مما لا خلاف فيه  ( والإجماع على هذا فقط دون التحكم بالجوارح ) و إنما الخلاف في (( التحكم بجوارح الإنسان ))

هذا لو كان الإجماع حجة في الدين فليس هو نصا ولا وحيا وإنما هو مجرد " حاجز بشري " يستعمله البعض لإلغاء العقل ومنع المخالفين من التفكير ، ولو كان المثبت للتحكم مطمئنا لرأيه فليبحث عن مستند هذا الإجماع وليتحف مخالفيه به ، إذ لا يتصور أن ينعقد إجماع على أمر غيبي بحت دون نص صريح صحيح وإلا كانت أمتنا أمة مستغنية عن الوحي وذات كرامات (متخرش المية) تطلعها على الغيبيات !!

و ختاما بقيت جزئية واحدة مرعبة :)

و هي يجوز للجني أن يتشكل بصورة أخرى كإنسان أو عقرب أو عنكبوتة و غيرها من المخلوقات اتفاقا على ما أظن :) ، و في هذه الحالة فإن الإيذاء متصور منه و يتصور إيذاؤه أيضا لكنها مسألة مغايرة للتحكم و التلبس بالإنسان .
ما دليل هذه الجزئية ؟
قال تعالى : ( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّى جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّى بَرِىءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ )
والآية في تشكل الشيطان بشكل بشري في غزوة بدر ..

كيف نشأت هذه الخرافة ؟

من خلال تتبعها فهي بحسب الظن الشخصي أساطير مسيحية ، جاء في الكتاب المقدس خطاب لأحد الشياطين للمسيح عليه الصلاة والسلام (آهِ! مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ؟ أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ قُدُّوسُ اللَّهِ ) ( مرقس 1 :24 )
ومن أبرز قصص إخراج المسيح للشياطين هي تلك المذكورة في ( مرقس 5 :1-20 و لوقا 8 :26-39 ) حيث التقى يسوع برجل ممسوس كان يعيش في القبور ويصرخ ويضرب نفسه بالحجارة باستمرار وقد حاول الناس ربطه بسلاسل إلا أنه كان يقطعها في كل حين وعندما سأله المسيح ما اسمك أجاب لجئون - أي جيش من الشياطين - فكلمة لجئون باللغة اللاتينية كانت تستخدم للدلالة على فرقة من الجيش الروماني تشمل 6000 جندي ، ورغم عددهم الكبير إلا أن هؤلاء الشياطين ارتعبوا من لقاء المسيح وترجوه كثيرا أن لا يرسلهم للهاوية بل إلى قطيع من الخنازير كان يرعى في الجوار فأذن لهم يسوع ، والقصة الأخرى ذات الأهمية المماثلة هي الواردة في ( متى 17 :15-21 و مرقس 9 :17-29 ) حيث يرتمي رجل أمام المسيح ويرجوه بأن يشفي ابنه من الروح النجس الذي يعذبه ويسبب له الصرع ويلقيه تارة في النار وتارة في الماء وكان الرجل قد قدم ابنه أولا لبعض تلاميذ يسوع ولكنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا له شيئا ولكن بعد أن انتهره يسوع شفي الغلام فتساءل التلاميذ لماذا لم يقدروا هم على إخراج الشيطان فأجابهم يسوع (وَأَمَّا هَذَا الْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ ) ( متى 17:21 ) ( نقل من ويكيبيديا صحيح موثق من خلال الاطلاع على الأصل )

ولينظر المرء إلى أساليب وطرق بعض من يدعي أنه يخرج الشياطين وليقارنها بما يفعله الإخوة المسيحيين ، ليقرأ من أراد الاستزادة عن أسرار الكنيسة و سر الميرون والمسحة المقدسة ، وتحياتي الحارة لتجارالماي والعسل وزيت الزيتون ( المقري عليه :) )

وصدق رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قال : " لتتبعن سنن من كان قبلكم " !!

# إذن ماذا عما يفعله بعض المطاوعة من إخراج للشياطين و ضربها و الحديث معها ؟!!!

بعض مما جاء في رسائل ابن حزم رحمه الله عن الموضوع

( أما كلام الشيطان على لسان المصروع، فهذا من مخاريق العزامين ، و لا يجوز إلا في عقول ضعفاء العجائز. و نحن نسمع المصروع يحرك لسانه بالكلام، فكيف صار لسانه لسان الشيطان؟ إن هذا لتخليط ما شئت. و إنما يلقي الشيطان في النفس يوسوس فيها، كما قال تعالى ( يُوَسْوِسُ في صدور الناس ) و كما قال تعالى ( إلا إذا تَمَنَّى ألقى الشيطان في أُمْنِيَّتِهِ ). فهذا هو فعل الشيطان فقط. و أما أن يتكلم على لسان أحد، فحِمقٌ عتيقٌ و جُنونٌ ظاهرٌ. فنعوذ بالله من الخذلان و التصديق بالخرافات ) .


نصيحة : يجب ألا يغفل رأي الأطباء النفسيين عن هذا الموضوع ، وما الذي يعنيه شفاء هذه الحالات عند مراجعتهم للطب النفسي ؟!

( لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا )
دمتم منمنمين بالسعادة منزهين عن الخرافة
محمد الفودري


الخميس، 21 يونيو 2012

الخلاف الأعلى ... من أجل ثمرة ناضجة


الخلاف الأعلى ... من أجل ثمرة ناضجة

       إن من أهم وأجمل التطورات والإضافات في كثير من المجالات العلمية هي فكرة المقارنة بين الآراء والنتائج التي تم توصل إليها بطرقها المعتبرة ، حيث إن اعتماد منهج المقارنة والسبر فيها يبرز جوانب القوة والضعف في مستندات الآراء ومبانيها ، كما أنه يفسر كيفية وأساس قيامها ووصولها إلى النتيجة التي اختارتها وسبب مغايرتها للنتائج الأخرى التي تشترك معها في تناول القضية .

ولقد كان للفقه الإسلامي حظ وافر من تطبيق منهج المقارنة والموازنة في فروعه ومسائله المتنازعة ، حتى اشتهر ككيان مستقل بذاته بالنظر والمدارسة تحت ما يسمى بعلم الخلافيات أو علم الفقه المقارن ، ذلك العلم الذي ما هو إلا محاولة للوصول إلى حكم الله - سبحانه وتعالى - في المسائل الخلافية من خلال النظر في الآراء المقترنة بالأدلة مع تمحيصها ، فتثمر بعدها مظنة إصابة الحكم الشرعي الذي يحرص على موافقته المسلم أشد الحرص إرضاء لله رب العالمين .

إذن فالتحقق من إصابة حكم الله - عز وجل – هو الثمرة التي لأجلها ازدهر شأن هذا العلم والمنهج ، وبه يتمكن الباحث أو المجتهد من استيضاح وجني أفضل الثمرات نضجا ، غير أن هناك معكرات لصفو منهج ومبدأ المقارنة والموازنة الفقهية يجب ألا يغفل عنها ، وهي من أسباب تضييع الثمرة المطلوبة ، والتي يمكن إيجازها في محورين :

المحور الأول : عدم أهلية الباحث للفقه المقارن :

ترجع أسباب عدم أهلية الباحث للفقه المقارن إلى بعض السلوكيات والثقافات التي يأباها هذا المنهج من تعصب للرأي ، وإعطاء الأحكام المسبقة ، وضيق الأفق العلمي ، وتأثر بموروثات فكرية سلبية ونحو ذلك من الأسباب التي هي تضر الباحث نفسه وتمنع عنه كثيرا من التحقيق والإنصاف ، وبالتالي فقد تتأثر نتيجة البحث الفقهي المقارن بالعوامل السابقة مما يفقد البحث ثمرته المرجوة بسبب عدم أهلية الباحث له .

المحور الثاني : التطبيق الجزئي لمنهج المقارنة :

الفقه هو نتاج جهد من إعمال الفكر في فهم الأدلة الشرعية ، وبالتالي فإن حصر المقارنة فيه أو  في نطاق الأدلة المباشرة له هو تضييق لمنهج المقارنة يتم التسليم من خلاله بمقدمات دون أن تقارن أو توزن بميزانها العلمي الصحيح .

العلوم الشرعية تتداخل فيما بينها ويحتاج كل واحد منها إلى الآخر ليحصل التكامل ، فاستنباط الفقه ومعرفة أدلته يكون من خلال علم أصول الفقه ، وحتى يتمكن الأصولي من استنباط الفقه فإنه يحتاج إلى الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ويستنبط منهما بقية الأدلة ، وبالتالي فإنه سيحتاج أيضا إلى علم التفسير وإلى علم الحديث ودراسة الأسانيد ، فهذه كلها معطيات تساهم في تكوين الفقه ، وفي كل علم مسائله التي تحتاج إلى التحقيق والمقارنة والتدقيق والموازنة ، وعلى سبيل المثال فإن بناء حكم فقهي بالاعتماد على قول لصحابي يستوجب قبلها النظر في حجية قول الصحابي كدليل شرعي ، ويستوجب أيضا إثبات صحة نسبة هذا القول إلى الصحابي ، وإن حصل الخلاف في أي من المراحل السابقة فكيف يقتصر طالب الحقيقة على أقوال معينة دون أن يزنها بميزانها ؟! فكما أنه التزم المقارنة في الفقه كان حريا به أن يلتزمها في بقية العلوم وبقية الجزئيات الغير الفقهية المؤثرة في المسألة الفقهية المتناولة بالبحث والنظر .

إن كان البحث الفقهي المقارن أو الخلاف العالي هو سبيل لتقوية فرصة إصابة الحقيقة ، فإن الانتباه للخلاف الأعلى الذي يتناول القواعد والأصول العلمية التي نتج عنها الخلاف العالي بالمقارنة والتحقيق والموازنة هو أفضل السبل لبناء نتيجة مطمئنة ، وما الدعوة إلى الخلاف الأعلى إلا دعوة لتناول كافة الجزئيات العلمية المختلفة المتنازعة بالسبر والمقارنة ، وما هي إلا دعوة للاستفادة من كافة العلوم الشرعية وإشراكها في النظر الفقهي المقارن ، من أجل ثمرة ناضجة .

وكإيجاز وذكر مباشر للمعاني التي تدور حولها المقالة :

1- يجب توسيع دائرة المقارنة للمسائل الفقهية ويكون الاعتبار فيها بكل قول له دليل دون اقتصار على المذاهب الأربعة أو آراء المتقدمين ، فإصابة الحق ومظنة الصواب ليست حكرا على أحد .

2- يجب أيضا أن يتم تناول الأصول الخلافية للمسائل الفقهية بالبحث المقارن أيضا ودون حصر للمقارنة أيضا كما سبق ، فإن تمت تسوية الخلاف في الأصل حينها يمكن العودة للمسألة الفقهية والنظر فيها بعد التحقق من الأصل الذي يدور حوله الخلاف .

3- وفي كل المرحلتين السابقتين إن كان في المسألة أي استدلال بالآثار المنقولة فإنه يجب تمحيص أسانيدها دون اكتفاء بآراء من تناولها سابقا فعلى الأقل يجب الاطمئنان إلى الحكم عليها بناء عن دراية ودراسة لا مجرد تقليد ومتابعة ، فإن كان ثمة خلاف أيضا في الحكم الحديثي فإنه تتحتم المقارنة بين الآراء وسبر أدلتها أيضا .

وجميع هذه المراحل لا شك أنها متعبة وشاقة وتستهلك وقتا ولكن إن كانت النتيجة المرجوة هي ثمرة ناضجة فإنه تستحق هذا العناء ولها لذة تغفر لكل تعب صاحبها ، ألا يستحق الوصول إلى الحقيقة هذا التعب ؟؟


ختاما
كم جميل أن يكون منهج المقارنة دون حكر منهج حياة 

دمتم منمنمين بالسعادة
محمد الفودري

الأحد، 17 يونيو 2012

دواخانة ... قصة قصيرة


قبل عدة أشهر شاركت بهذه القصة القصيرة في مسابقة الجليس للقصة القصيرة ، ومرت الأشهر ويبدو أن الطيور قد طارت بأرزاقها ، فعلى الأقل أنشرها هنا  في المدونة ...

لا أحب أن أحرق محتوى القصة وما الذي تتحدث عنه وليكن الحكم إلى القارئ ، ولكن يمكن القول أنها محاولة لعلاج ظاهرة خطيرة لا بد من مكافحتها حتى لا تغرق السفينة ، ولا أستغني عن أي توجيه وإرشاد أو نقاش وخاصة المحتوى الفكري ...

كتابة القصة تجربة جميلة ولها لذة تتفوق على القراءة ، إنك أنت من يصنع عالمك الخاص وتعيشه ، قم بتجربة هذا العالم لعلك تدرك لذة كنت تريدها ..

قراءة ممتعة ودمتم منمنمين بالسعادة والإفادة 

محمد الفودري



القصة القصيرة :


دواخانة

مسرح

في ذلك المسرح النائي بعيدا عن ضوضاء المدينة ، وقف عريف الحفل في وسط المنصة الخشبية المحاطة بستائر حمراء مغبرة ليعلن عن انتهاء فعاليات أسبوع " دعوة للتقارب " ليختتم حديثه بعدما تم توزيع التذكارات وتبادل الهدايا الرمزية بين أبرز المدعوين والمشاركين بكلامه الإنشائي :
" ... وفي ختام هذه الأمسية التي بها انتهى أسبوعنا الحافل بالدعوة إلى التقارب بين فئات وطننا الحبيب ، فإنه لا بد من التذكير أنه لا تقارب إلا بإلغاء ما سوى الوطن من النفوس فلأجلك يا وطن أنكرك يا ذات ، والسلام أجمل ختام ، وحياكم الله على العشاء أيها الأحبة "
عم التصفيق أرجاء المسرح رغم قلة امتلاء تلك الكراسي البيضاء بالحضور الذين قاموا بالانصراف سريعا إلى قاعة العشاء بينما ظل فريد جالسا على كرسيه في آخر القاعة يتأمل الرسوم التي زينت جدرانها اليمنى بفلكلور بحري وآخر صحراوي عن يساره بينما علت المسرح القديم نقوش تكررت فيها ألوان علم بلاده متذكرا أحداث الأسبوع ومتحدثا مع نفسه :
" آه ... أسبوع كامل من تناول المشكلة دون طرح لعلاجها بكل واقعية ، ومن ثم يستغربون لم لا ينجحون في مكافحة هذه الفتنة التي لا تسعد إلا المتطرفين ؟! يا ليتهم لو ...  " قاطعه صوت :
- فريدان ، دائما سرحان .
التفت فريد خلفه مبتسما لأنه يدرك أن صاحب هذه العبارة صديقه حمد ، فعدل من جلسته وقال : " ما بك أيها الطويل ؟ كأنك قد خرجت أثناء المحاضرات ؟ "
- " اسكت يا فريد ، فقد سمعت ما كدر خاطري كثيرا فلم أتحمل سماع المزيد لذا خرجت أوسع صدري بعد ضيقته "
= " وما حل بك يا حمد ؟ اجلس قليلا وأخبرني بالذي ألم بك من هم ؟ " ، سحب كرسيا من أمام فريد وجعله مقابلا له ملقيا عليه ثقله قائلا : " إيه ... أتصدق ؟ بدأت أقتنع بالكلام الذي دار بينك وبين مدير الملتقى البارحة "
= تقصد عن الاكتفاء بترويج الوطنية كدواء للفتنة وإهمال دور الدين ؟
- نعم بالضبط .
= " أسعدتني بذلك ، ولكنه أمر غريب ، نادرا ما نتوافق بالآراء رغم كوننا أصدقاء ، هات الزبدة ، ما الذي حصل ؟ " أخذ حمد نفسا عميقا وصمت برهة قبل الحديث ثم قال : " في محاضرات اليوم سمعت ما يكدر الخاطر وينذر بالمكروه – لا سمح الله به – عندما تكلم المحاضر الأول وأظنك قد سمعت حديثه الجميل الإنساني ، سرحت قليلا عن المتابعة وانتبهت لحديث ثلاثة يجلسون أمامي من مثل فئتنا يتخافتون بينهم بحديث استغربته منهم :
قال أحدهم : متى ينتهي هذا المنافق المتملق من الحديث ؟
الثاني : أنا مثلك أيضا مللت من سماع ممثل فئة الدخلاء على أرضنا .
الثالث : لا عليكما منه الجميع يعلم أنه ممثل بارع ويعرفون بواطنه الفاجرة .
الأول : صدقت بل كل من هو من نفس فئته كذلك ،إنهم عار على الدين يا لهم من أوغاد .
ثم شغلت عنهم مذهولا مما سمعته ، ولم أفق إلا على مجيء دور المحاضر الثاني وقبل أن يتحدث سمعت همسات دارت بين اثنتين من الحضور جالستين خلفي :
الأولى : زوجي كرهني في هذا الرجل ، تخيلي أنه يظهر بمظهر صاحب الطرح المعتدل العقلاني بينما هو يحذر الناس منا ويأمرهم بإظهار الغلظة تجاهنا حتى نشعر بالضيق والحرج ومن ثم نصير إلى ملتهم تركا لهذا الحرج !! أرأيت منطق المعتدلين من ملتهم ؟!
الثانية : وما حاجتنا إليهم ، اتركيهم ، سيأتي اليوم الذي سيذهب الله غيظ قلوبنا منهم .
لم تتحمل أذناي أكثر من ذلك ، فتركت القاعة ولم أعد إليها إلا على موعد الفقرة المسرحية " أيام محن ومنح " والتي كنت مستمتعا بها حتى شغلتني عن همي ، ولكن مشكلتي أني عدت إلى نفس مكاني السابق ويا ليتني لم أعد ، فبمجرد أن انتهى العرض الشيق حتى سمعت من أمامي ومن خلفي تعليقات على العرض تكاد أن تكون محل اتفاق بين من لا يرجى لهم الوفاق ، تخيل أن أحدهم وصف العرض الوطني المؤثر بعديم القيمة وأنه لا يطعم خبزا ! وآخر وصف العدو المحتل السفاح بالبطل لا حبا فيه بل لمجازره مع الطرف الآخر ! وآخر قال أن الملة المعينة ستباد وستطهر الأرض منهم لتبقى صافية لنا !! وآخر ... "
= " يكفي يا حمد ، أظنك في حالة صدمة كما صدمت أنا من قبل ، وما أهمك هو ما أهمني تماما ، وأظن أني أعرف بقية ما قالوه فالمتطرفون ملة واحدة تختلف في الأسماء وتتفق في نبذ المخالف "
- لم أكن أعلم أن العداوة بينهم كبيرة إلى هذه الدرجة ! لماذا لا يحبون أطروحات الوحدة الوطنية وبينما هم يدعونها ويظهرونها للناس ؟ ألسنا شعبا واحدا في سفينة واحدة ؟
= مفهوم الوطنية الذي يطرح كحل لمعالجة الفتنة يستخدم استخداما خاطئا وفي غير محله ، فلا تستغرب أنهم لا يتقبلونه ، للأسف من يتصدى لهذه المشكلة يرى الحل بإلغاء ذاتهم من أجل الوطن ؟؟ غريب هذا المفهوم ما هو هذا الوطن الذي لا يحقق فيه الإنسان ذاته من أجل مشاكل غيره ؟
- هل تقصد أن طرح الوطنية لا يفيد يا فريدان ؟ أراك صرت مثلهم ..
= ليس هذا ما أعنيه يا حمدان فلها دورها في علاج أمراض أخرى وترسيخ معان جميلة في مجالات واسعة ، وإنما من السذاجة أن نستخدم الوطنية في علاج مرض هي لا تجدي معه نفعا ، ما هذا إلا كحال من يعالج الصداع من خلال قطرة العين !
- مع أن أمثلتك كعادتها خنفشارية ، ولكن المعلومة قد وصلت ، تريد أن يستخدم الدواء المناسب مع الداء المناسب ، وأظنك تراه في الدين ، هل هذا ما تصبوا إليه ؟
= نعم بالضبط ، أصبت المعنى .
- أعرف أن ديننا دين تسامح وتعايش سلمي أو قل هكذا أعرفه ، أما بعد الذي سمعته اليوم فأستغفر الله مما سأقوله ، ولكن بصراحة جميعهم ينتسبون إلى تيارات دينية ، فلست أدري بمن المشكلة ؟
= يا حمد تمسك بنظرتك الأولى ولا عليك بهم ، أتترك فكرة سامية وحقيقة غالية من أجل تطبيقيات خاطئة أو إساءات ممن يدعيها ؟ كل يدعي وصلا بليلى وهي منهم بريئة كبراءتك من فكرة الزواج على طويلة العمر .
- أعوذ بالله من أمثلتك الشريرة ، كلمني بجدية ما الحل برأيك ؟
= الكلام يطول وبصراحة إني جائع ، لنرجئ الحديث وهيا فلندرك العشاء ، يقولون أن أم علي في انتظاري ؟ إن انتهت فأنا أطالبك بتعويض معتبر .
- عيني عليك باردة ألك نفس في الطعام والتحلية بعد سماع هذه الهموم والقنابل الموقوتة ، اذهب لوحدك وأنا بنتظارك عند السيارة .
= لست أدع مشاكل غيري تفسد علي متعتي في حياتي ، على الأقل تناول بعض المرطبات .
خرج الصديقان من قاعة المسرح إلى قاعة العشاء ، فانطلق فريد مباشرة إلى الطعام بينما دخل حمد القاعة ببطء وأخذ ينظر فيمن حوله ويقول : " أما لهذه الكراهية من نهاية ؟ "

طريق

بعد أن ركبا في السيارة للعودة إلى المنزل ، دارت بينهما بعض الأحاديث الودية ، وتذكر حمد الذي كان يقود السيارة ذلك الكابوس المخيف الذي عاينه اليوم فعاد لمحاورة صاحبه :
- كفاك حديثا عن أم علي وفستقها الحلبي ، ولنرجع لموضوع حديثنا يا فيلسوف فريد .
= لست أحب تكرار الكلام ولكن لأجلك فقط سأعيده واعتبره كأجرة التوصيل .
- لم أكن أدرك أهميته وقتها حين تكلمت مع المدير ، فلا تبخل علي ولو بإيجاز .
= سلمك الله ، هذه الملل المتعادية لم تتطرف إلا بسبب اعتقاد قوي بمعتقدات ومفاهيم يظنون أنها من الدين ولأجلها يستميتون في الدفاع عنها ويمنعون عقولهم من سبرها وتحقيقها لأنها في نظرهم حقائق مقدسة لا تقبل النقاش ، ولن يفلح أحد في مناقشتها ومداواتها إلا إن استعمل مصدر هذه الحقائق المقدسة ضدهم ، والتجربة خير برهان .
- ألهذه الملل المتناحرة نقطة اتفاق بينها ؟ لا أظن ذلك .
= لا تقطع علي حبل أفكاري ، يا حمد إن موضوع علاج هذه المرض طويل ، ولو تعمق في فكر كل ملة على حدة بالبحث عن حل ديني تؤمن به لتطرفها فهذا جميل وأنجع ، ولكن لنعد إلى موضوع فكرتي وهي صالحة لجميع هذه الملل المتناحرة ، ألا ترى أنها جميعا تنتسب إلى نفس الدين ، فكر ما هو دستور هذا الدين الذي لا ينازع عليه أحد من المختلفين ؟
- إنه القرآن الكريم بكل تأكيد ، لا أظن أحدا منهم يخالف في ذلك .
= أحسنت ، ولهذا فإني اعتمد عليه في فكرتي كمرجع أساسي يذعن له المفترقون فهو يطرح أفكارا كثيرة عميقة تعالج كثيرا من أفكارهم المتطرفة ، فمنها :
أن القرآن الكريم يحارب وبشدة ادعاء الانفراد بمحبة وجنة الرحمن ، فمن تأمل في نصوصه وجده قد ذم من ادعى انفرادا بهما ، كما أنه قد ذم من جعل من آراء علماءه نصوصا مقدسة تحول بينه وبين القرآن - وما أزمة البعد عن فهم كلام رب البشر إلا ما حال بينه وبين نصوصه الطاهرة من آراء البشر - وفي القرآن أيضا أمر لجميع المختلفين أن يردوا جميع خلافاتهم إليه ، وأنت تراهم يدعون ذلك ولكنهم حقيقة لا يرجعون إلا لتلك الحواجز البشرية المتطرفة .
والقرآن الكريم يرشد إلى أن الخلاف سيبقى ولا بد ( ولا يزالون مختلفين ) وهم لا يتقبلون وجود أصغر خلاف فكري معهم فهم لا يرون في الوجود إلا هم ومنهم من يهدر دم مخالفه لأقل خلاف بينما القرآن الكريم يقولها علانية ( أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) ، بل ولا يأخذون بتوصياته لأجل التعايش السلمي ، فهو يحث على البر والقسط مع كل من ليس عدوا محاربا  فما بالك مع من هم من نفس الملة ، ألم تقرأ قول الحق ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) ؟ وكم أحب قوله تعالى ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) فمنعنا من إهانة معتقدات الآخرين الموغلة في الانحراف في نظرنا  صيانة لمعتقدنا الذي نراه حقا من احتمال الإهانة " أصون نفسي عما يدنس نفسي " ثم قال ( كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبؤهم بما كانوا يعملون ) فكما أني أرى أن معتقدي هو الحق الذي لا لبس فيه فكذلك من خالفني ، وكما أني لا أرضى إهانة فكذلك هو ، وختام الآية الجميل يرشدنا إلى ترك الخلق إلى خالقهم فهو من سيحاسبهم لا نحن ، وليس فيما سبق أي دعوة للتمييع بل ليلتزم كل من المختلفين قول الرحيم ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) ... ومثل هذه الأدوية للتطرف كثيرة وحديثها ذو شجون .
- الله ، معان جميلة وآيات كأني أسمعها لأول مرة ، إذن باختصار فكل تصوراتهم الذهنية الخاطئة لا مجال لتغييرها إلا من خلال القرآن الكريم وبالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالحسنى كما تفضلت .
= نعم أصبت ، فأول العلاج تنبيههم إلى أن القرآن الذي يقدسونه يخالف أوهامهم التي ينسبونها إليه .
- ها قد وصلنا البيت يا فتى ، لا أنيس لك ولا ونيس كالعادة ، ما رأيك لو شاركتنا مع المجموعة الصعبة في ليلة الغد بالمقهى ؟ على الأقل نتسلى ونكمل هذا الحوار فلدي كثير من الإشكالات .
= اعذرني يا طويل ، ولعلي أكمل معك في فرصة أخرى ، أنسيت أن غدا ليلة شاي القمر ؟
- آه نسيت ذلك ، العزاب الكبار غريبوا الأطوار في هذه الأيام .
= هل تحسدني على مزاجي وحريتي أم أنك تعيب علي العزوبية ؟ على فكرة : كذلك كنتم من قبل .
- فمن الله علينا ووقانا .
= ارحل يا قصير .
ليلة

في مساء اليوم التالي وبعد غروب الشمس توجه فريد إلى مكانه المفضل على شاطئ البحر ، إنها ليلة الثالث عشر ، أولى ليالي اكتمال القمر ، كم يعشق فريد منظر البدر المنير وهو يشرق جهة البحر لينعكس نوره على سطح البحر مظهرا ألوانا جميلة ، أبيض مذهب وفضي مزرق ، كم عجز فريد عن وصف هذا اللون المتراقص بفعل حركة الأمواج الهادئة ، ويمتد هذا النور الفتان وكأنه بساط متلألئ فوق الماء يسير عليه مريد القمر .
تخطى فريد الحواجز والصخور حتى وصل إلى مكانه المفضل على صخرة بارزة ، وفي يده كوب شاي أعده بخلطة مزاجية من زعفران وهيل وورد ، فجلس في مكانه المفضل وأمامه المنظر الساحر وبيده شرابه الآسر ، وبدأ في خلوة مع نفسه وأفكاره ، ليس فريد من النوع الذي يعيش للمشاكل أو عليها بل للسعادة في حياته وأخراه ، ولكنه اليوم تراوده هموم مجتمعه وسوء تصرف من بيدهم الأمر مع السرطان الفكري الذي بدأ ينهش في وطنه ، بل ربما زادوا الطين بلة مع أن بيدهم سلاح القانون الذي هو وسيلة جبرية لتقويم ما لا يستقيم ، فعادت به ذاكرته إلى المرحلة المتوسطة وأيام الصبا المشاكسة وتذكر موقفا لا يزال له أثره في نفسه عندما تشاجر مع زميله في الفصل منصف بسبب استهزاء هو ابتدأه بمعتقدات منصف ، فقد كانا من فئتين مختلفتين ، فلم يفعل أستاذ المادة وقتها شيئا سوى التوبيخ للفصل كله ! فاستمر الشجار اللفظي لتعميم كل منهما الشتيمة على فئة الآخر وكبرت دائرة الصراع ، حتى دخل الأستاذ عادل السمح البشوش الفصل وأوقف الشجار وكان عادلا في تنفيذ عقوبته ، أخذ المسيء فقط واحدا بعد واحد خارج الفصل ليعاقب كل مسيء بما يناسبه ويتحرى المشكلة وأسبابها، كان العقاب بكل بساطة حوارا راقيا من المعلم مع تلاميذه المخطئين لا يزال حاضرا في ذهن فريد ، سأله الأستاذ في دوره : لماذا ابتدأت الشجار مع منصف ؟
= لأني سمعت أن فئته كثيرة الشتم والسب لنا .
- هل سمعت شيئا من زميلك منصف ؟ أجبني بكل صراحة .
= لا لم أعرف منه أي إساءة أبدا ، ولكنهم يقولون عن فئته ...
لحظة تخبرني أنه لم يسئ إليك أبدا ثم تحمله ذنب غيره ؟ يا فريد أعرفك تلميذا ذكيا ، ألم أشرح لكم في الحصة السابقة قوله تعالى ( ألا تزر وازرة وزر أخرى ، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) ما ذنب منصف أن يعاقب بسبب جريمة غيره ؟ أليست العقوبة شخصية ؟ ثم أهكذا يكون أخذ الحق ؟ يا فريد قد أسأت في حق منصف ، ولكن عندي لك مفاجأة أتعلم ماذا كان جواب منصف عندما عرضت عليه أن أعاقبك أخذا لحقه ، بصراحة لقد أدهشني ، قال لي : أستاذي منك تعلمت أنه لا حرج على الإنسان أن يطالب بحقه ولكنك أيضا علمتنا أن الله يقول ( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) لذلك فقد عفوت عن فريد  .
بمجرد أن سمع فريد قرار منصف احتقر نفسه كثيرا وشعر وكأن منصفا في رتبة عالية بعيدة عنه ، ولم يستغرب فريد بعدها من المثل القائل " العفو أشد أنواع الانتقام " فقد ذاقه صغيرا وأدرك أنه علو في الإنسانية وليس سذاجة كما يظنه بعض من أفراد مجتمعه .
وبعد أن انتهى العقاب دخل الأستاذ الفصل وأمر المسيئين بالتصفيق لمن لم يتدخل في النزاع ففعلوا ، سأله أحد الطلبة المخطئين مستغربا ، نصفق لهم يا أستاذ وهم لم يفعلوا شيئا ؟
أجابه : بلى قد فعلوا ، أساء كل طرف من المتشاجرين إلى فئاتهم فتحملوا الإهانة في سبيل عدم ازدياد المعركة نارا ، لقد كانوا حكماء أكثر من الذين انجرفوا في نزاع بين شخصين .
تذكر فريد هذه اللحظات وكأنها حاضرة أمامه بالصوت والصورة وكم تمنى لو أن الكبار يتعلمون من دروس الصغار .....
موعد

ارتفع القمر كثيرا حتى خف نوره المنعكس على سطح البحر وشعر فريد بالجوع بعد جلسته التأملية المعتادة ، فقرر العودة مبكرا على غير عادته ، وبينما هو يتنقل بين الصخور عائدا إذا برجله اليسرى فجأة تنزلق لتجرحها حديد صدأة رطبة من ماء البحر بجرح غائر ، رمى فريد كوبه من شدة الألم وصرخ بطريقة لم يعهدها من قبل فهذا جرح حارق حاد عميق ، وصل إلى سيارته بجهد بالغ وتوجه إلى أقرب مركز طبي ، وجد المركز هادئا فقد كان وقت المناوبة الليلية ، كانت الممرضة تتمشى خارج غرفتها نظرا لقلة الحالات الليلية وبمجرد أن شاهدت فريدا شهقت وقالت : " ما الذي حدث لك ، أيها العامل ، أيها العامل ، أحضر كرسيا متحركا بسرعة " .. لم تجد أي أحد حولها لها فأمرت فريدا بالجلوس وأحضرت له كرسيا متحركا بنفسها وساعدته على اعتلاءه وذهبت إلى غرفة التمريض ، سألته الممرضة في الممر عن حالة جرحه وهل وصل إلى العظم أم لا ، ودخلا إلى الغرفة فإذا الطبيب يصحو من غفوته من على المكتب منتبها للحالة الحرجة أمامه فقام فورا والممرضة تعاونه بتنظيف الجرح وتعقيمه وتضميده وعمل ما يلزم له وقال له الطبيب بعدها : " سلامات يا سيد ... "
= فريد يا دكتور .
- سلامات يا سيد فريد ولا باس عليك ، الحمدلله جرحك ليس خطرا ولكن حبذا لو أتيت غدا للاطمئنان عليه واذهب إلى صيدلية المركز فقد كتبت لك مطهرا يساعد في التئام جرحك .
أتت الممرضة بالكرسي المتحرك وقالت لفريد : " يبدو أنه لا أثر لوجود أي عامل دعني أساعدك يا سيد فريد " لم يرفض فريد هذا العرض رغم أنه معتاد على رفض كل إحسان أو معروف من قبل الآخرين ولكن وبعد أن خفت حرقة الجرح شعر بارتياح نحو الممرضة ، وأخذ يتساءل أثناء الحركة في ممرات المركز والممرضة تدفع كرسيه : " يا إلهي ، ما الذي اعتراني ؟ أنا أشعر بشيء غريب مع هذه الممرضة ، من طريقة ارتداءها لثيابها يبدو أنها من الفئة الأخرى ، لحظة ما الذي أفكر به  وهذه الهلوسات التي اعترتني " توقفا عند شباك الصيدلية وطلبت الممرضة من الموظفة المختصة إحضار اللازم ، وأخذ فريد يتأمل هذا الوجه اللطيف الذي أحسن إليه وتنبه إلى موقفها الشهم حينما أقبلت على مساعدته بإنسانية قل مثلها ، استلمت الممرضة المطهر وأوصلت فريدا إلى باب المركز وأصر فريد على عدم إتعابها وتكليفها مزيدا من الجهد ، تحمدت له بالسلامة فشكرها فريد شكر منهك وغادر إلى سيارته متجها إلى البيت لينال بعض الراحة وطوال هذه الفترة كان في حديث مع نفسه :
" يا لهذه الإنسانة الرائعة كيف تعاملت معي بواجب إنساني انحسر كثيرا اليوم بحجة عدم الاختصاص ، ولكن لماذا أعطتني مزيد عناية ؟ هل هي تربيتها أم ردة فعل غير مسؤولة أم الواجب الإنساني أم ... لا لا لا ، ما الذي أفكر به ؟ هذا مستحيل ، هل يعقل أن تكون حبا ؟ تعوذ بالله من الشيطان يا فريد فالمرأة لم تفعل إلا واجبها ، لكن لم لا يكون حبا من النظرة الأولى ؟ ما هذه الهرطقات المراهقة التي تفرض نفسها علي ... "
بعد عدة صراعات ذهنية مع نفسه قرر فريد أن ما وقع به إما حب سيطر عليه أو إعجاب حتى استرسل تفكيره الأعزب إلى فكرة الزواج : " هل أتزوج أنا بعد عشرة العمر مع الحرية ؟ وممن ؟ من امرأة ليست من فئتي والغريب أني أنظر إليها هكذا وأنا المحارب للطائفية ؟ اللهم اكفني شر شماتة حمد ، ولكن أليست من ضمن المواضيع التي أطرحها لعلاج الطائفية هي مسألة إباحته سبحانه وتعالى للزواج من الكتابية ، فمتطرفوا اليوم يحرمون تزويج مخالفيهم الذي هم من نفس دينهم ولا يلتفتون إلى هذا المعنى العميق ، وليت شعري لماذا لا يفكرون في موضوع إباحته سبحانه وتعالى الزواج من اليهودية العفيفة وتحريمه الزواج من المسلمة غير العفيفة ؟ إنه لم يلتفت إلى العقائد بل إلى أمر آخر ، تمهل يا فريد فأنت أيضا تشبههم فأنت توقفت في أمر الممرضة لكونها من فئة تحمل عقائد مخالفة لعقائدك ، هل نسيت يا فريد أن الذات الإنسانية ليست مجرد معتقدات فأين هي الجوانب الأخرى ، وربما ما أوقعك بالاعجاب بها إلا جوانب أخرى غير المعتقدات كالأخلاق والإنسانية و .. والجمال ، ولماذا تركت كل المعتقدات التي توافقك فيها وركزت على الخلاف ؟ "
أخذ فريد يستعيد مشهد مساعدة الممرضة له ثم تابع حديثه النفسي : " بصراحة قد أمانع من ناحية العقائد ليس لناحية شخصية ولكن لما يفرضه هذا المجتمع ، هل سيوافق أهلي على مثل هذه الزيجة ؟ ولكن ألسنا مجتمعا يدعي التمسك بتعاليم دينه ؟ آه ما هذا الشعور ؟ هل أختار الحب وفسحة الدين أم الاستسلام للمجتمع ؟ هل أقدم نفسي أم الآخرين ؟ "
مضى عليه الليل وهو في حوار ذهني قد يصنع قرارا مصيريا حتى نام بأعجوبة .

أمل
فريد : السلام عليكم .
الموظف : وعليكم السلام .
= أريد منك خدمة ، هلا أخبرتني باسم الممرضة التي كان لديها نوبة في ليلة البارحة فقد نسيت عندي شيئا لها "
- بكل سرور ، انتظر من فضلك ... اسمها فرح عبدالله السوسني .
= شكرا لك أيها الفاضل .
خرج ينظر إلى السماء الغائمة وعلى وجهه المبتسم مسحة من أمل ورجاء .


الـنـهـايـة