الأحد، 13 أكتوبر 2013

حيرة الأمام !!


هي تلك اللحظات التي تدرك فيها أنك قد أصبت ما كنت ترنو إليه بل قد تجاوزته ، ليس هذا فحسب بل أنك ببلوغك تلك التلة وجدت نفسك قد حققت حلما طال انتظاره لكن دون تلك المشاعر التي كنت توقعتها قديما حين تصل قمة التلة فتدرك أن كل ما فعلته ليس سوى إحماء لبداية الانطلاق من الصفر ... مرة أخرى ، ويا لصعوبة البدايات !

حينها هل هناك ما يساعد لبدء رحلة جديدة سوى آمال جديدة وتنقيب في الذاكرة وما خلفها عن تلك الجزرة التي تدفع النفس للأمام ؟ لا تدري هل رحلة الحياة تستحق أن تمضي قدما في تلال جديدة وأراض شاسعة أخرى أم نستظل تحت شجرة الراحة حفاظا على الوقت وعلى تلك الحمولة التي تزداد كلما زاد نفاد رصيد العمر مكتفين بتلك الغنائم التي سقطت قيمتها من أعيننا لما عرفنا حقيقتها بتملكها لكن لا تزال محل غبطة عند ألئك الذين لم يعرفوها !

نود أحيانا أن نلغي نظرة المجتمع عن التدخل في سير رحلتنا الوحيدة ، ولكنهم ضمن الرحلة جبرا واختيارا ، ومن يضمن أن الرحلات السابقة أو المستقبلة ليس لمحيطنا أي تأثير بها ؟ فحين تود أن تمضي وحدك ستجد أنك لا تكاد تعرف نفسك و أنك تعيد تعريف نفسك بما يتجاوزها إلا إن قررت التضحية بأجزاء من نفسك لتسير بعدها فاقدا بعض أجزاءك متألما ... نعم قد تجاوز بعضهم الألم حين حسموا بالزيت تلك الجراح ، ولكن ماذا بعد ذلك ؟ هل رحلتنا تستحق تلك التكاليف  ؟

أقسى ما في تلك الرحلات هو أكثرها إثارة ومتعة ، فحين تجد النهاية ليست سوى بداية تذوق طعم الإحباط لبلوغك سرابا ، وفي حين تسعد وتشرق في ذلك العالم الجديد ، ولكن تبقى تلك اللحظات المفصلية ما بين الرحلتين حين تنازعك نفسك الأرضية ونفسك السماوية حول الخلود إلى الأرض أو المغامرة لبلوغ قمة فعلية ...

في كل لحظة وخاصة تلك العصيبة والمفصلية نفهم جيدا أن ذاتنا نصفين صديق وعدو ، وندرك أيضا حدس الروح وخداع العقل ، لكن مع تكرارها نجد صراع الذات يكبر فنضطر كالسلاحف أن نبيت داخل الأصداف منعزلين ريثما ينبت استقرار لا ندري بعده ما يخرج من تلك الأصداف !

دمتم بخير 
محمد الفودري

الثلاثاء، 9 يوليو 2013

مؤامرة إخفاء ليلة القدر !!




هل فعلا ليلة القدر محصورة في العشر الأواخر وأنها أقوى ما تكون في ليلة سبع وعشرين ؟! أليس هناك تصريح قرآني يحدد هذه الليلة العظيمة ؟

باختصار شديد

بالنظر في كتاب الله تعالى فهو يبين أن ليلة القدر في رمضان ، لأن الله أخبر أنه أنزل القرآن في ليلة القدر ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) وأنه أنزله في رمضان ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) فوجب أن تكون ليلة القدر في رمضان ، كما أن القرآن يشير إلى بقاء ليلة القدر واستمراريتها بدليل التعبير بالفعل المضارع في قوله تعالى : (      ) فهو مؤذن بأن هذا التنزّل متكرر في المستقبل بعد نزول هذه السورة ، ومثل هذا يقال أيضا في قوله تعالى : (   ) .

طيب أليس في القرآن أي تحديد أو إشارة إلى هذه الليلة ؟

قال تعالى : ( إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ) يوم التقى الجمعان يوم غزوة بدر اتفاقا ، فما هو يوم الفرقان وما الذي نزل فيه على عبد الله محمد صلى الله عليه وسلم ؟   والآية تشير إلى أن يوم الفرقان هو يوم موافق يوم التقاء الجمعين لا أنه عينه .

التفسير السائد في التراث بأن الفرقان هو النصر يوم بدر حيث فرق بين الحق والباطل تفسير ضعيف جدا ، فمجرد النصر العسكري في معركة ليس دلالة على الحق ، بل على هذا المعنى يلزم أن نصر المشركين يوم أحد هو دلالة أن الحق معهم .

التفسير الأقرب لروح القرآن أن يحمل الفرقان على أنه القرآن وهذا المعنى وارد قرآنيا ويحتمله سياق آية الأنفال أيضا :

( تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده )
( وأنزل التوراة والإنجيل ، من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان )

فما معنى الفرقان في الآيات السابقة ولم لا تحمل كلمة الفرقان في سورة الأنفال عليه أيضا ؟! خاصة مع الضعف البين للمعنى الذي يذكره أغلب المفسرين وأنه لا يستقيم مع السياق .

وقد قال بتحديد ليلة القدر أنها اليوم الذي صادف يوم معركة بدر بعضٌ من الآل والأصحاب وغيرهم فليس بمحدث أو جديد ، وإنما هو عرض لقول اندثر ولم ينل حظا من النظر رغم قرآنيته ، وتجدر الإشارة أن يوم بدر مختلف فيه بين يومين :  السابع عشر أو التاسع عشر والأول تأييده أظهر ، ويكون شرف يوم معركة بدر أيضا أنه جاء موافقا ليوم ليلة القدر التي نزل فيها القرآن ، فكأنه احتفاء بمناسبتين وافقت إحداهما الأخرى .

أين المؤامرة في إخفاء ليلة القدر :

مثل هذه الليلة العظيمة الفارقة في حياة البشرية من المستحيل والغريب جدا أن يصور لنا التراث أنها مجهولة الهوية أوأنها متنقلة لم يعرفها النبي صلى الله عليه وسلم ولا من كان معه وقت نزول القرآن ! إلا إن كانت هناك فئة لها نفوذ سلطوي جبار تكره أن توافق ليلة القدر يوم هزيمتها الساحقة في معركة بدر .

أكثر قريش لم يؤمن أصلا بنص القرآن الكريم ( لقد حق القول على أكثرهم فهو لا يؤمنون ) وقد تولى أحدهم السلطة ممن قُتل كثير من أحبابه وأقربائه في تلك المعركة فمن الطبيعي أن يرفض هذا التخليد لاقتران يوم ليلة القدر بيوم معركة بدر التي كانت يوما أسودا على قومه ، فحاول تضليل هذه الليلة بقدر الإمكان وقد نجح لا سيما مع سلطته القوية ونفوذه على بعض رواة الحديث ، وهذا الوالي نفسه هو أحد رواة تحديد ليلة القدر بإحدى ليالي العشر الأواخر  من رمضان ، ومن يتتبع سيرته متجردا يجد أن مجرد تحديده لليلة القدر شبهة تستلزم التحري والتمحيص .

بل ومما يؤكد وجود العبث السياسي الأموي بهذه الليلة هو أن أشهر وأول من عرف بإنكار ليلة القدر هو الحجاج بن يوسف الثقفي كما ورد في التاريخ والسير ، ولن يظهر الحجاج خادم السلطة الأموية المطيع هذا الرأي عبثا إلا إن وافق هوى أسياده .

الطرح السابق هو محاولة للبحث عن سبب غموض ليلة القدر وما يروى حول اختفاءها من أمور غير منطقية .

ورغم الإطالة فما سبق موجز شديد وينبغي التأكيد على أنه مجرد (( رأي شخصي ))

ونصيحة شخصية : عامل كل ليلة في رمضان وكأنها ليلة القدر وأرح نفسك من هم تتبع الخلاف ...

فإن كان ثمة أمر جدير بالتحوط فهو مثل موضوع ليلة القدر ، وأقوى الدلائل أنها منحصرة في رمضان ، وأما أنها محصورة في إحدى ليالي العشر الأواخر فمحتمل ووارد كما يحتمل أيضا عدم انحصارها في العشر وبطلان أحاديثها خاصة مع وجود أقوال أخرى تحدد ليال خارج العشر ولأدلتها وجاهة لا تنكر ، وكذلك إن قيل بتنقل ليلة القدر بين ليالي الشهر – على غرابته وعدم وجود نص شرعي يصرح به  - فعدم حصر التنقل في ليالي العشر الأواخر وارد ومحتمل أيضا ، فالأسلم والأحوط تعميم الجد والاجتهاد طيلة ليالي الشهر الفضيل لضمان عدم إضاعة ثواب خير الليالي ، والله أعلى وأعلم .

ومبارك عليكم الشهر وتقبل الله طاعتكم ووفقكم لكل خير

محمد الفودري

الثلاثاء، 11 يونيو 2013

الحريات في الإسلام أعظم مما شوهوه ... عرض لكتاب حرية الاعتقاد في القرآن الكريم والسنة النبوية للأستاذ حسن فرحان المالكي

انظر أيضا : مهزلة قتل غيلان وعدالة الأوزاعي في الميزان 





كلما ازددت بحثا - على قلته - في علم الحديث ومسائله كلما زاد يأسي وإحباطي من وجود أخطاء وزلات منهجية كبيرة لا تغتفر تصادم العقل والفطر والمناهج العلمية القويمة ، بل لا أبالغ أن الطائفية واحتكار الحقيقة وتجاهل المخالفين صار سمة بارزة لا تنكر في هذا العلم الذي يفترض أن يتناول بجلالة ومسؤولية أكبر من الوضع القديم والحالي .

ورغم اليأس والإحباط فبصراحة هناك أطروحات حديثية من يراها يجد أملا ، فحيث أن التراث الروائي له سيطرة كبيرة على عقول كثير من المسلمين ولن تتحقق أي نهضة وأي فهم جميل للإسلام متوافق مع القرآن إلا بمناهج تتناول هذا التراث بصرامة لا تعرف المجاملة أبدا ، والشهادة لله أجد الباحث حسن فرحان المالكي ممن يعيدون الأمل .

أكثر من ينتقد التراث الروائي يتوقف عند النقد فقط ولا يقدم مشروعا بديلا ، ولكن ميزة الأستاذ حسن المالكي أنه يقدم هذا المشروع البديل بتعمق ، فهو ابن هذا العلم ومن المتبحرين فيه لمن قرأ كتاباته ، وهنا عرض لكتابه الذي تضمن تقديم المشروع البديل لأفكار قمع المخالف وكبت الحريات التي أصل لها التراث مع نقدها .

باختصار الحريات في ديننا أعظم مما نتصور وليس هذا جزافا بل انطلاقا من القرآن وتنفيذ النبي صلى الله عليه وسلم له من خلال نموذج دولته المدنية العظيمة التي لن يدركها أنصار الدولة الدينية أبدا ولن يدركها أبدا من جعل التراث حائلا بينه وبين الوحي .

# ملخص محتوى الكتاب :

قدّم رأيه ببطلان "حد" الرّدة في الإسلام على أحسن مايكون. فابتدأ كما يبتدئ العالم العارف بتقديم الأدلة بالآيات من القرآن، ثم الأحاديث الصحيحة الصريحة من السنة النبوية المطهّرة. وبين هذا وذاك نقد توضيحي لأدلة المخالفين القائلين بثبوت حد الرّدة، وقد ردّ على أدلتهم خير الرد.
ثم أبحر كذلك في نقد الآراء الفقهية المتقدمة والمتأخرة في الموضوع. كما يحتوي هذا البحث أو هذا الكتاب على حواشي قيّمة -على قلتها-. ( نقلا من Goodreads(

# تشويقات :

- الدين لله والوطن للجميع ، هل فعلا أن القرآن قد صرح بما هو أجمل منها ؟

- هل فعلا كفلت دولة النبي صلى الله عليه وسلم للأقليات ولأصحاب التيارات المختلفة التبشير بدينها وأفكارها ؟

- من يقرأ الكتاب سيدرك لماذا القرآن أكثر جمالا وسماحة وأوسع أفقا من السنة ، عفوا بل الأدق " تراث الرواة " وكل الحشمة لسنة النبي عليه الصلاة والسلام .

- ما قصة أحاديث قتل المرتد ؟ وما هو الخلل في أسانيدها ؟

# اقتباسات من الكتاب :

- " نحن ابتلينا بمجموعة من الفقهاء أزالوا هذه المحاسن من القرآن الكريم وادعوا أن كل آية فيها تسامح فهي منسوخة، - نسخ الله علومهم من الأرض – وبهذا قطعوا علينا التجديد في الدين، ذلك التجديد الذي لا يأتي بجديد إلا ما صرح به القرآن الكريم، ولكن فقهاءنا المستجيبين للضغوطات الدولية حالياً وجماعات حقوق الإنسان أصبحوا في ورطة عظيمة من تراثهم الذي ملأه فقهاء السلطة بالتعصب، فتجد فقهاء اليوم يفرحون إذا وجدوا قولاً لاحد العلماء السابقين فيه نوع من التسامح، ولكنهم لا يفرحون إذا وجدوا هذه الآيات الصريحة، وكأن القرآن الكريم أصبح أقل دلالة من قول مختلف فيه لابن تيمية، وهذا تحقيق لشكوى النبي عليه الصلاة والسلام من هجرنا للقرآن الكريم ( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ) وقد صدق فداه أبي وأمي، فما نراه اليوم يندى له الجبين في بحث علماء الوقت عن قول لهذا البغدادي أو هذا الدمشقي أو هذا البصري فيه تسامح مع الآخرين، بينما آيات الكتاب الكريم تجأر إلى الله من هجرها وإهانتها بدعوى النسخ والتخصيص والتقييد وسائر هذه المخازي التي أجهد فيها الفقهاء أنفسهم، ليبرروا للحاكم وللسلطة وللفقيه إجبار الناس على النفاق، لأن الله عز وجل الذي خلق النفس الإنسانية، قد جعل لها حرية الاختيار، فكان جهد السلطات والفقهاء، أن نقلوا المرتدين من درك أعلى إلى الدرك الأسفل من النار، ليس حفاظاً على الدين ولا على الناس وإنما على السلطة والمصالح الدنيوية التي أضاعت المعاني الحقيقة لديننا وأصبحنا وسط هذا العالم محل تندر، فلا دنيانا أقمنا ولا على ديننا حافظنا " .

- " ومعظم أهل الحديث المتحمسين لهذا الحديث "من بدل دينه فاقتلوه" إنما صححوه ليكون حجة لهم في قتل أهل البدع وليس في قتل المرتد حقيقة " .

- " حتى لو صح أن أبا بكر أو علياً قتلوا مرتدين – غير منشقين عسكرياً- فالقرآن الكريم والنبي (ص) فوق أبي بكر وعلي رضي الله عنهما، وفوق كل واقع سياسي " .

- " فالواقع يصحح ويقوّم بالشرع ولا يتبع الشرع الواقع حيثما توجه، وإلا فقدنا مركزية الكتاب والسنة " .

- " ونتيجة لهجرنا الموعود للقرآن الكريم، لم نعول على المصطلح القرآني، لأن القرآن لم يؤلفه أحد الفقهاء الكبار كأبي حنيفة والشافعي وأحمد ومالك! " .

- " الاستتابة كحد الردة صناعة فقهية بحتة، لا وجود لها في القرآن الكريم ولا السنة النبوية، إذ لم يستتب النبي (ص) أحداً، وليس في القرآن والسنة إلا الترغيب في التوبة دون إكراه " .

- " والفقهاء المتأخرون لا يدركون أثر السلطة والتاريخ على الفقه والعقائد، فهم يظنون أن الفقهاء لا يخضعون للسلطة وأنهم إنما يراقبون الله فيما يعتقدون ويكتبون ويفتون.. الخ، فالمشكلة تكمن في عقل الفقيه واستيعابه للآثار السياسية الأولى ثم الآثار المذهبية المستقرة في أذهان طلبة العلم عبر المدارس والكتب " .


- " والسلطة أكثر سطوعاً في العقول البسيطة المتدثرة بالورع، أكثر منها أثراً في عقول الأدباء والشعراء والأطباء..الخ، وهذا أيضاً لسبب ظاهر، وهو أن المشتغل بالشعر أو اللغة أو الطب أو الفلك أو غيرها من العلوم يجد ما يثير فكره ويوسع استيعابه للأمور، بينما الفقهاء حاربوا العقل وحذروا منه – لخصومة مذهبية مع المعتزلة- فأصبح الأمر القرآني بالتفكر وإعمال العقل ذنباً فكرياً عند المذاهب بعد أن كان أمراً شرعياً في القرآن الكريم " .

الأربعاء، 27 مارس 2013

وهل في النساء نبيات ؟ عرض لرأي ابن حزم



من يتتبع آراء ابن حزم سيجده منتصرا للمرأة في كثير من القضايا بشكل ملحوظ كولايتها القضاء وحقوقها الزوجية وغيرها ، وقضية نبوة النساء من جملة ما سبق .

مسألة نبوة النساء :
يؤيد ابن حزم بقوة إثبات النبوة لبعض النساء وأنها ليست اختصاصا ذكوريا، و مسألة نبوة النساء مسألة قد يشنعها البعض على ابن حزم و يعتبر رأيه فيها شاذا دون بينة أو دليل .
ولم ينفرد بهذا القول فهناك من أيده كأبي الحسن الأشعري وابن عطية والقرطبي ، ولكن للأسف اعتاد البعض على أن رأيه و ما تلقاه هو الصواب دون تمحيص أو تدقيق ، و اعتاد الاكتفاء بما في ذهنه ، و أي محاول لتغيير ما رسخ فيه فهي جريمة و خطيئة كبرى تستوجب المكافحة .
على أي حال
تثير هذه المسألة بعض الجوانب المهمة
أنقل لكم مقتطفات من الفصل في الملل (5/12) مع بعض التعليق :

نبوة النساء


قال أبو محمد هذا فصل لا نعلمه حدث التنازع العظيم فيه إلا عندنا بقرطبة وفي زماننا فإن طائفة ذهبت إلى إبطال كون النبوة في النساء جملة وبدعت من قال ذلك وذهب طائفة إلى القول بأنه قد كانت في النساء نبوة وذهبت طائفة إلى التوقف في ذلك ( هذا فقرة تشير إلى أن نوعية من المسائل الاعتقاد أثيرت متأخرا ، والغريب أن البعض يستدل هنا بالدليل الموهوم " الإجماع " ! )


قال أبو محمد ما نعلم للمانعين من ذلك حجة أصلا إلا أن بعضهم نازع في ذلك بقول الله تعالى ) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم (


قال أبو محمد وهذا أمر لا ينازعون فيه ولم يدع أحد أن الله تعالى أرسل امرأة وإنما الكلام في النبوة دون الرسالة ( نقطة الخلاف والافتراق )

فوجب طلب الحق في ذلك بأن ينظر في معنى لفظة النبوة في اللغة التي خاطبنا الله بها عز وجل فوجدنا هذه اللفظة مأخوذة من الأنبياء وهو الإعلام فمن أعلمه الله عز وجل بما يكون قبل أن يكون أو أوحى إليه منبئا له بأمر ما فهو نبي بلا شك

وليس هذا من باب الإلهام الذي هو طبيعة كقول الله تعالى ) وأوحى ربك إلى النحل ( ولا من باب الظن والتوهم الذي لا يقطع بحقيقته إلا مجنون ولا من باب الكهانة التي هي من إستيراق الشياطين للسمع من السماء فيرمون بالشهب الثاقب وفيه يقول الله عز وجل ) شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا (
وقد انقطعت الكهانة بمجيء رسول الله

ولا من باب النجوم التي هي تجارب نتعلم ولا من باب الرؤيا التي لا يدري أصدقت أم كذبت بل الوحي الذي هو النبوة قصد من الله تعالى إلى إعلام من يوحي إليه بما يعلمه به ويكون عند الوحي به إليه حقيقة خارجة عن الوجوه المذكورة يحدث الله عز وجل لمن أوحى به إليه علما ضروريا بصحة ما أوحى به كعلمه بما أدرك بحواسه وبديهة عقله سواء لا مجال للشك في شيء منه أما بمجيء الملك به إليه وأما بخطاب يخاطب به في نفسه وهو تعليم من الله تعالى لمن يعلمه دون وساطة معلم

فإن أنكروا أن يكون هذا هو معنى النبوة فليعرفوا ما معناها فإنهم لا يأتون بشيء أصلا فإذ ذلك كذلك فقد جاء القرآن بأن الله عز وجل أرسل الملائكة إلى نساء فأخبروهن بوحي حق من الله تعالى فبشروا أم إسحاق بإسحاق عن الله تعالى قال عز وجل ) وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ( فهذا خطاب الملائكة لأم إسحاق عن الله عز وجل بالبشارة لها بإسحاق ثم يعقوب ثم بقولهم لها أتعجبين من أمر الله ولا يمكن البتة أن يكون هذا الخطاب من ملك لغير نبي بوجه من الوجوه

ووجدناه تعالى قد أرسل جبريل إلى مريم أم عيسى عليهما السلام يخاطبها وقال لها ) إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ( فهذه نبوة صحيحة بوحي صحيح ورسالة من الله تعالى إليها وكان زكريا عليه السلام يجد عندها من الله تعالى رزقا وأردا تمنى من أجله ولدا فاضلا

ووجدنا أم موسى عليهما الصلاة والسلام قد أوحى الله إليها بإلقاء ولدها في اليم وأعلمها أنه سيرده إليها ويجعله نبيا مرسلا فهذه نبوة لا شك فيها وبضرورة العقل يدري كل ذي تمييز صحيح أنها لو لم تكن واثقة بنبوة الله عز وجل لها لكانت بإلقائها ولدها في اليم برؤيا تراها أو بما يقع في نفسها أو قام في هاجستها في غاية الجنون والمرار الهائج ولو فعل ذلك أحدنا لكان في غاية الفسق أو في غاية الجنون مستحقا لمعاناة دماغه في البيمارستان لا يشك في هذا أحد فصح يقينا أن الوحي الذي ورد لها في إلقاء ولدها في اليم كالوحي الوارد على إبراهيم في الرؤيا في ذبح ولده فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لو لم يكن نبيا واثقا بصحة الوحي والنبوة الوارد عليه من ذبح ولده لكنه ذبح ولده لرؤيا رآها أو ظن وقع في نفسه لكان بلا شك فاعل ذلك من غير الأنبياء فاسقا في نهاية الفسق أو مجنونا في غاية الجنون هذا ما لا يشك فيه أحد من الناس فصحت نبوتهن بيقين

ووجدنا الله تعالى قد قال وقد ذكر من الأنبياء عليهم السلام في سورة كهيعص ذكر مريم في جملتهم ثم قال عز وجل ) أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ( وهذا هو عموم لها معهم لا يجوز تخصيصها من جملتهم وليس قوله عز وجل وأمه صديقة بمانع من أن تكون نبية فقد قال تعالى يوسف أيها الصديق وهو مع ذلك نبي رسول وهذا ظاهر وبالله تعالى التوفيق

ويلحق بهن عليهن السلام في ذلك امرأة فرعون بقول رسول الله e كمل من الرجال كثيرون ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون أو كما قال عليه السلام والكمال في الرجال لا يكون إلا لبعض المرسلين عليهم الصلاة والسلام لأن من دونهم ناقص عنهم بلا شك وكان تخصيصه e مريم وامرأة فرعون تفضيلا لهما على سائر من أوتيت النبوة من النساء بلا شك إذ من نقص عن منزلة آخر ولو بدقيقة فلم يكمل فصح بهذا الخبر أن هاتين المرأتين كملتا كمالا لم يلحقهما فيه امرأة غيرها أصلا وإن كن بنصوص القرآن نبيات وقد قال تعالى ) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ( فالكامل في نوعه هو الذي لا يلحقه أحد من أهل نوعه فهم من الرجال الرسل الذين فضلهم الله تعالى على سائر الرسل ومنهم نبينا وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام بلا شك للنصوص الواردة بذلك في فضلها على غيرهما وكمل من النساء من ذكر عليه الصلاة والسلام . أهـ


ودمتم موفقين 
محمد الفودري

الاثنين، 18 مارس 2013

التدرج في ضياع علوم الدين .. تعريف الفقه نموذجا !


هَمّك ما أهَمَّك وبعلو هَمّك تدرك هِمّتَك ... 

استعملت كلمة الفقه في ثلاثة معان ، تغيرت واختلفت تبعا لواقع أهل كل زمن :

الأول : معنى الفقه عند المتقدمين :
جاء في إحياء علوم الدين : " كان اسم الفقه في العصر الأول مطلقا على علم طريق الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب  ، ويدل عليه قوله عز وجل : ( ﯴ  ﯵ  ﯶ     ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ    )[1] وما يحصل به الإنذار والتخويف هو هذا الفقه دون تفريعات الطلاق والعتاق واللعان والسلم والإجارة فذلك لا يحصل به إنذار ولا تخويف بل التجرد له على الدوام يقسي القلب وينزع الخشية منه "[2]، كما " لم يكن السلف يطلقون اسم الفقه إلا على العلم الذي يصحبه العمل "[3].

وكان معنى الفقه أيضا " يعم جميع الشريعة التي من جملتها ما يُتوصل به إلى معرفة الله ووحدانيته وتقديسه وسائر صفاته وإلى معرفة أنبيائه ورسله عليهم السلام ومنها علم الأحوال والأخلاق والآداب والقيام بحق العبودية وغير ذلك "[4]

فهو معنى واسع يبرز فيه الاهتمام بالعلم الشرعي بصفة شاملة لا سيما علم الآخرة وذاك الذي أثمر عملا ، وهذا لا يعني أن " اسم الفقه لم يكن مُتناوِلا للفتاوى في الأحكام الظاهرة ، ولكن كان بطريق العموم والشمول أو بطريق الاستتباع فكان إطلاقهم له على علم الآخرة أكثر  "[5].



الثاني : وهو معنى الفقه عند الأصوليين :
ذكر السبكي[6] تعريف الفقه – وهو المختار- فقال :
" الفقه : العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية "[7].

 وواضح من تعريفه أيضا أنه خاص بالفقه المكتسب عن طريق الاستنباط والاجتهاد ، لأن اكتساب العلم من الأدلة التفصيلية إنما هو من شأن المجتهدين كما سبق بيانه[10].

وهذا التعريف على ما فيه من رقي فإنه لا يعد شيئا مع نظرة المتقدمين للفقه 

الثالث : وهو معنى الفقه عند الفقهاء :
وهو " حفظ الفروع مطلقا سواء كانت بدلائلها أو لا "[11] أو هو " مجموع الأحكام والمسائل الشرعية التي نزل بها الوحي ، والتي استنبطها المجتهدون أو اهتدى إليها أهل التخريج ، أو أفتى بها أهل الفتوى عند الفقهاء "[12].
ومن هذين التعريفين يتضح أن مفهوم الفقه لدى الفقهاء لا يقتصر على المجتهد فقط بل يشمله ويشمل غيره من المشتغلين في مسائله[13].

الغريب أن من يتتبع الموضوع سيجد أن أقل الفقه وفق التعريف السباق يتحقق بتعلم ثلاث مسائل فقهية فقط ! ما أرخصه من فقه وما أكثر فقهاءه !!

لنتأمل كيف كان الفقه قديما وما الذي صار إليه اليوم ، وياترى ما هو كم الفوارق بين فقهاء اليوم وفقهاء الأمس ؟!

هذه التدوينة توضيح لمعنى انحطاط العلوم الشرعية من خلال نموذج من نماذج عدة ، ماذا عن بقية العلوم يا ترى ؟ هل يوجد علم شرعي واحد استمر وظل مهتما للسبب الذي أنشئ له ؟

تجديد العلوم اليوم إن لم يغير العلوم جذريا ويخرجها عن قوالبها الجامدة الخالية من الروحانية والإنسانية فليس سوى تكرار لمآسينا ، يكفي تضييعها لرونق الدين بعد أن كان يفترض بها حفظه بل صار البعض يعبد جمودها واتخذها إسلاما ومنطقا !

ودمتم موفقين 
محمد الفودري


[1] التوبة : 122 .
[2] إحياء علوم الدين لمحمد الغزالي (1/32) .
[3] مفتاح دار السعادة ومنشور دار العلم والولاية لمحمد بن القيم (1/89)
[4] البحر المحيط لمحمد الزركشي (1/17) .
[5] إحياء علوم الدين لمحمد الغزالي (1/32) .
[6] علي بن عبد الكافي بن علي السبكي الشافعي ، أبو الحسن  السبكي الكبير ، تقي الدين قاضي القضاة (683-756هـ) .
انظر : السبكي ، عبد الكافي بن علي بن عبد الكافي (1413هـ) . طبقات الشافعية الكبرى (ط2) . تحقيق محمود الطناخي وعبد الفتاح الحلو . دار هجر للطباعة و التوزيع والنشر (10/139) . الذهبي ، محمد بن أحمد (1408هـ) . المعجم المختص بالمحدثين (ط1) . تحقيق محمد الحبيب الهيلة . الطائف : مكتبة الصديق ص 118.
[7] السبكي ، علي بن عبد الكافي (1404هـ) . الإبهاج في شرح المنهاج (ط1) . بيروت : دار الكتب العلمية (1/28) .
[8] النملة ، عبد الكريم بن علي بن محمد (1999م) . المهذب في علم أصول الفقه المقارن (ط1) . الرياض : مكتبة الرشد . (1/18) وما بعدها بتصرف واختصار .
[9] الإسراء : 32 .
[10] انظر : الغزالي ، محمد بن محمد بن محمد الطوسي (1413هـ) . المستصفى في علم الأصول (ط1) . تحقيق محمد عبد السلام . بيروت : دار الكتب العلمية ص 5 ، الرازي ، محمد بن عمر بن الحسين (1400هـ) . المحصول في علم الأصول (ط1) . تحقيق طه جابر العلواني . الرياض : جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ( 1/92) ، السبكي ، عبد الكافي بن علي بن عبد الكافي (1999م) . رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (ط1) . تحقيق علي معوض وأحمد عبد الموجود . بيروت : عالم الكتب (1/244) ، القرافي ، أحمد بن إدريس الصنهاجي (1994م) . الذخيرة . تحقيق محمد حجي . بيروت : دار الغرب (1/57) ، ابن حزم ، علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي (1404هـ) . الإحكام في أصول الأحكام (ط1) . القاهرة : دار الحديث (5/119) ، السمعاني ، منصور بن محمد بن عبد الجبار (1997م) . قواطع الأدلة في الأصول . تحقيق محمد حسن إسماعيل . بيروت : دار الكتب العلمية (1/20) ، الجويني ، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف (1418هـ) . البرهان في أصول الفقه (ط4) . تحقيق عبد العظيم الديب . المنصورة : دار الوفاء (1/79) ، الجرجاني ، علي بن محمد بن علي (1405هـ) . التعريفات (ط1) . تحقيق إبراهيم الأبياري . بيروت : دار الكتاب العربي ص 216 ، الزركشي ، محمد بن بهادر بن عبد الله (2000م) . البحر المحيط في أصول الفقه (ط1) . تحقيق د محمد تامر . بيروت : دار الكتب العلمية (1/15) ، الآمدي ، علي بن محمد (1404هـ) . الإحكام في أصول الأحكام (ط1) . تحقيق سيد الجميلي . بيروت : دار الكتاب العربي (1/22) ، تاج الشريعة ، عبيد الله بن مسعود البخاري الحنفي (1996م) . التوضيح في حل غوامض التنقيح . تحقيق زكريا عميرات . بيروت : دار الكتب العلمية (1/18) .
[11] ابن عابدين ، محمد أمين (2000م) . حاشية رد المحتار على الدر المختار . بيروت : دار الفكر (6/690) ، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني لمحمود الألوسي (11/49) ، أبو جيب ، سعدي (2000م) . القاموس الفقهي لغة واصطلاحا (ط2) . دمشق : دار الفكر ص 289 .
[12] المهذب في علم أصول الفقه المقارن لعبد الكريم النملة (1/18) .
[13] المصدر السابق .

الاثنين، 11 مارس 2013

قضية زواج سليمان من بلقيس

 



هل تزوج سليمان من بلقيس ؟ قضية لا يمكن القطع فيها برأي وأنقل هنا تلخيص القرطبي في تفسيره للخلاف في المسألة مع بعض الإضافات :

الرأي الأول : أنه تزوجها :
" فيروى أن سليمان تزوجها .. وأسكنها الشام ، قاله الضحاك . وقال سعيد بن عبد العزيز في كتاب النقاش : تزوجها وردها إلى ملكها باليمن .. فولدت له غلاما سماه داود مات في زمانه " ويؤيد هذا الرأي فريق من النسابة والرواة العرب ، وكذلك الحاخامات في شروحاتهم ، وكذلك ما جاء في الكتاب الحبشي " مجد الملوك " ، وكذلك بعض المفسرين على اختلاف في معطيات أدلتهم بين من يثبت صحة للآثار وبين من ينفيها .
قال الرازي : " والأظهر في كلام الناس أنه تزوجها ، وليس لذلك ذكر في الكتاب، ولا في خبر مقطوع بصحته " ونقل السيوطي تحسين ابن أبي شيبة لأحد الآثار المثبتة لقصة الزواج .
ووجدت من يظن أن في قوله تعالى : ( وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) إشارة إلى قضية الزواج دون قطع .


الرأي الثاني : أنه زوجها غيره :
" وقال محمد بن إسحاق ووهب بن منبه : لم يتزوجها سليمان وإنما قال لها : اختاري زوجا ... فاختارت ذا تبع ملك همدان فزوجه إياها "
ويؤيد هذا الرأي فريق من نسابة العرب مع اختلافهم في تعيين وتحديد شخصية ونسب هذا الزوج.

الرأي الثالث : التوقف في المسألة :
" وقال قوم : لم يرد فيه خبر صحيح لا في أنه تزوجها ولا في أنه زَوَّجَها  "
وكذلك في العهد القديم " توراة اليهود " لا توجد إشارة إلى هذه القضية
قال عون بن عبد الله : سأل رجل عبد الله بن عتبة : هل تزوجها سليمان ؟ قال : انتهى أمرها إلى قولها : أسلمت مع سليمان لله رب العالمين . يعني : لا علم لنا وراء ذلك .
ونص القرآن ليس فيه تناول لقصة الزواج كما هو واضح .

وصدق الألوسي حين قال :
" وكم في هذه القصة من أخبار الله تعالى أعلم بالصحيح منها والقصة في نفسها عجيبة وقد اشتملت على أشياء خارقة للعادة يكاد العقل يحيلها في أول وهلة .. "

ودمتم موفقين
محمد الفودري

التدوينة إهداء إلى الحر المناضل الرفيق ناصر الصميط :) نوجه له تحية

الخميس، 28 فبراير 2013

السياسة والصحة النفسية ، ما بين التحلطم والحركة




في ملتقى الإبداع الأسري الأخير  في إحدى محاضرات د جمال الملا الشيقة تطرق المحاضر لموضوع البعد عن متابعة الأخبار السيئة حفاظا على الصحة النفسية ...

ومنذ أن طرح هذه القضية شغلت بها تفكيرا ، هل يعني ذلك أن أتخلى عن متابعة ومعرفة الواقع وأعيش في قصر من وهم ناسيا الواقع الذي قد يقضي علي بجهلي التام عنه !! لا شك أن ترك هموم السياسة مريح لكن في الوقت نفسه سأخدع نفسي بهذه الفعلة !

لم تنتهي الدورة حتى أتت إجابة جميلة شافية من أحد الحاضرين ، شخص من أهل الشام ..

تحدث عن تجربته وانشغاله بهموم السياسة وواقعنا العربي الجميل حتى أثر ذلك عليه أثرا جسيما وأصابه بأمراض عديدة

بمراجعته للطب النفسي نصحوه بالتوقف تماما ، لكن عاد التساؤل إلى ذهنه هل أترك الانشغال بالواقع ؟

كان حله المثالي والعلاج الذي اتبعه وجعله أفضل حالا أنه رفض أن يكون مجرد متابع صامت أو من حزب " الحلطمة السياسية " الواسع الانتشار في الكويت ، وقرر أن يكون مبادرا وفعالا اتجاه المشاكل التي يراها ولو بأي دور

اليوم هو ناشط في الإغاثة للشعب السوري وتكفل بتجهيز عمارة كاملة للاجئين !

كلنا ننفعل من سلبيات الواقع ، لكن من منا يستغل هذا الانفعال ؟

ودمتم موفقين

الأربعاء، 13 فبراير 2013

ضرورة حسم النزاع في نصاب زكاة الذهب والفضة بالتقدير المعاصر

ما يلي جزء من أطروحتي الماجستير أنشره تيسيرا للباحثين
لقراءة الرسالة كاملة من هنا




# تقدير الدينار بالجرام :

سبق الحديث أن الدينار والدرهم هما الوحدتان الأساسيتان في معرفة المقدرات الوزنية ، فلا بد من معرفة التقدير المعاصر لهما الأقرب إلى الصحة و الصواب وصاحب وجهة النظر الأكثر إقناعا ومنطقا .
وعند الحديث بدقة أكثر عن هذا الموضوع فإنه وفي الوقت الحالي يكون الدينار أو المثقال هو الوحدة الأساسية في معرفة المقدرات الوزنية ، وتبعا لوزنه يمكن استخراج نسبة وزن الدرهم الشرعي وغيرها ، لكن لا يحسن في العصر الحالي الاعتماد على الدراهم وذلك لأن معدن الفضة من أسرع المعادن الثمينة تآكلا ، فتبقى الدنانير الذهبية الموجودة اليوم هي المدخل لمعرفة الوزن ، وذلك لما يمتاز به الذهب من مقاومة للصدأ والتغيرات الكيميائية التي يحدثها الهواء أو التي تنتج أثناء التعامل[1].
وهناك طرق أخرى في استفادة التقدير المعاصر ولكن يظهر بعدها عن الصواب وعدم دقتها في التقدير كالاعتماد على وزن الحبوب وقد تقدمت الإشارة إلى هذا ، وذلك بسبب اختلاف الحب حجما ووزنا باختلاف الأرض ونحوها من العوامل ، أما الاعتماد على الصنج الزجاجية التي تعود للدنانير الشرعية واعتبارها بديلا عن الدنانير الذهبية فما يقال في رفض اعتماد الدراهم و الدنانير الأثرية من أسباب في تخلف صناعتها وعدم دقتها يقال في الصنج أيضا ، فحسن الاقتصار على الدنانير الذهبية ، وتبقى هذه القضية للأسف مما لم يستوف حقها إلى اليوم على الرغم من أهميتها .
إذن وبناء على ما سبق فإن طرق معرفة المقدرات الوزنية الفقهية مرده إلى الدينار ، وبحسب النظر والبحث فإنه لا خلاف بين المذاهب الأربعة في اعتبار أن وزن الدينار الذي ضربه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان[2] هو الوزن المعتبر شرعا ، كما قد نقل الإجماع على ذلك ، ومن هنا يطمئن المرء في اعتماده أصلا ومرجعا .
وعند التأمل في التقديرات المعاصرة لوزن الدينار الشرعي فإن اتجاها من المعاصرين يذهب إلى تقديره بما يعادل 4,25 من الذهب الخالص ، وبعض المعاصرين من يذكر طريقته في استنتاج هذا المقدار والبعض يكتفي بذكر النتيجة ، وهي فوق الأربع جرامات اتفاقا [3]، بينما ذهب صاحب كتاب " المقادير الشرعية والأحكام الفقهية المتعلقة بها " إلى اعتباره معادلا لـ 4,24 ، وطريقته – بحسب الاطلاع -  من أفضل وأدق الطرق في التقدير ، فقد اعتمد على أوزان دنانير ذهبية عدة ضربت في عهد عبد الملك بن مروان .
لكن يبقى الخلاف معه في النتيجة التي توصل إليها وذلك لأنه بناها على أربع متوسطات لأوزان الدنانير ، كل متوسط بحسب دنانير كل متحف موجودة به مع أن التغاير في الأعداد شاسع بينها ، ولم يأخذ هذه النسبة المتوسطة بالنظر لكافة الدنانير معا ، فمتوسطها كلها يعادل 4,225 ولعل هذه النسبة أدق وأولى بالاعتبار بناء على منهجه .
ويبقى أن الموضوع كما تقدم مما يحتاج إلى مزيد عناية ومراجعة وضبط وتعاون مع المختصين في موضوع العملات الأثرية الإسلامية و البيزنطية .
والأخذ بالمقدار المتوسط في هذه المسألة مما يظهر حسنه ، لأن الأخذ بالأكثر يؤيده أصل الاحتياط للدين ، كما أن الأخذ بالأقل يؤيده أصل براءة الذمة ، فكان القدر المتوسط بينهما حسنا لما فيه من الجمع لمعنى الأصلين السابقين ، بل ولما فيه أيضا من مراعاة للاختلاف بين أوزان الدنانير وظروف سكها التي كانت تعاني وقتها من بدائية آلة وطريقة سك النقود وعدم انضباطها انضباطا تاما والتي كانت تعتمد أيضا على جهد العامل اليدوي ومدى خبرته ومهارته[4]، هذا والله تعالى أعلى وأعلم .

- مقدار نصاب زكاة الذهب :

بناء على أن 4,225 هي النسبة المتوسطة الأدق كما تقدم – ولا تزال القضية بحاجة إلى تتبع واستقراء لمزيد من الدنانير الاثرية – وأن نصاب الزكاة عشرون دينارا فيكون مقدار نصاب زكاة الذهب بالجرام هو :

4,225 × 20 = 84,5 جرام من الذهب الخالص .

- مقدار نصاب زكاة الفضة :

بما أن نسبة الدرهم إلى الدينار هي 7 : 10 اتفاقا[5] ، فإن وزن الدرهم يكون :

4,225 × 7 ÷ 10 = 2,9575 جرام

وبناء على ما سبق وأن مقدار نصاب الفضة 200 درهم :

2,9575 × 200 = 591,5 جرام

ودمتم موفقين
محمد الفودري



[1] المقادير الشرعية والأحكام الفقهية المتعلقة بها لنجم الدين كردي ص 129 ، الموسوعة العربية العالمية مادة " ذهب".
[2] عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص  ، الخليفة الأموي أبو الوليد ( 26-86 هـ ) .
انظر : تاريخ الخلفاء لعبد الرحمن السيوطي ص 214 ، وتقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني ص 365 .
[3] انظر مجموعة من آراء المعاصرين في تقدير الدينار بالجرام في : بحث أحمد الكردي ضمن بحوث الندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة ص 78 ، بحث عبد الله المنيع ضمن بحوث الندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة ص 114 ، بحث محمود الخطيب ضمن بحوث الندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة ص 138 ، فقه الزكاة ليوسف القرضاوي (1/260) ، المقادير الشرعية والأحكام المتعلقة بها لأحمد الكردي ص 105 وذكر في كتابه عدة تقديرات معاصرة ، المكاييل والموازين الشرعية لعلي جمعة ص 19 .
[4] المقادير الشرعية والأحكام المتعلقة بها لأحمد الكردي ص 130 ، المكاييل والأوزان الشرعية لعلي جمعة ص 10 .
[5] فقه الزكاة ليوسف القرضاوي (1/356) .