الثلاثاء، 21 يونيو 2016

مشكلات علم الحديث العلمية باختصار شديد

(وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)

هذه مجموعة أدلة موجزة عن رأيي في موضوع علم الحديث وأهله باختصار شديد عسى أن أتفرغ لبسطه لاحقا :

بداية أعجز عن إعادة تلك الثقة القوية لأسانيد المحدثين وعلم الرجال عن اطلاع ودراسة ، يكفي أن الجيل الأول عند الرواة متجاوز عن أحوالهم عند أهل الحديث رغم كونهم أساس السند ، وكفى بذلك خللا منهجيا ، بينما في القرآن نصوص صريحة مسقطة للثقة والعدالة عن بعضهم صراحة ، من ذلك :

-(وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم) ولكن يبدو أن أهل الحديث يعلمون شيئا لا يعرفه النبي عن منافقي جيله لأنهم يوثقون الجيل الأول من المسلمين كلهم لمجرد رؤيتهم للنبي مهما ارتكبوا من الآثام ودون نظر إلى احتمالية كونهم منافقين الصريحة بنص القرآن!

-(يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم) القرآن يصرح أن هناك سماعون - صيغة مبالغة - لمن يبتغي الفتنة زمن النبي وهم من الجيل الأول الموثوق بهم إطلاقا عند أهل الحديث .

-(بيت طائفة منهم غير الذي تقول) وهنا القرآن يتحدث عن تزوير الأحاديث في زمن النبي نفسه أي من الجيل الأول نفسه ،وهي ظاهرة ليس لها ذكر عند أهل الحديث لغياب الثقافة القرآنية عنهم.

بل نقلت نصوص الرواة إدانات مشابهة يتجاهل أهل الحديث تبعاتها 
- من ذلك حديث "في أصحابي اثنا عشر منافقا" ولم يكلف أهل الحديث عناء التنقيب عنهم واستثناءهم من التوثيق المطلق.
-وحديث "انك لا تدري ما أحدثوا بعدك" الذي هوصريح في كونهم أشخاصا من الجيل الأول!

بل بعض المحدثين أنفسهم من تراجع وترك الرواية ولهم تصريحات مؤلمة ، وأيضا يندر عند أهل الحديث مجرد الإشارة إلى تلك التراجعات
فعن ابن المبارك "اللهم اغفر لي رحلتي في طلب الحديث"
وعن شعبة "إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون" وله ما هو مؤلم أكثر وتصريح بأن ثلثا ما حدث به كذب لا يصح
وعن سفيان الثوري "لو كان في هذا الحديث خير لنقص كما ينقص الخير، ولكنه شر فأراه يزيد كما يزيد الشر" وقول الثوري ينتقد ظاهرة زيادة الأحاديث كلما تأخرنا عن زمن النبي وشحها كلما اقتربنا من ذلك الزمن ، ألا يفترض العكس ؟!
وهذا مبحث يطول

 فضلا عن اتهامات كبار أهل الحديث لبعضهم ، من ذلك بإيجاز
في مقدمة صحيح مسلم- والذي يعرف بأنه من أواخر من تتلمذ على البخاري ويحكى عنه مرافقته عند موته!- يشير إلى البخاري تلميحا بكونه من المنتحلين لعلم الحديث وللأسف يؤكد الذهبي والقاضي عياض هذه التهمة دون استرسال لتبعاتها
ولا تخفى قصة مهزلة تضعيف الرازيين - من كبار رجال الجرح والتعديل- للبخاري التي أراها جارحة لعدالتهم قبل عدالته لرأيه في المسألة التافهة "لفظي بالقرآن مخلوق" والتي تكشف عن فوضى التوثيق عند علماء الجرح والتعديل وضيق أفقهم الفكري بشكل لا يطاق

وحسبي بالصحيحين مثلا وإلا فالاتهامات بين كبار أهل الحديث لبعضهم أكثر

فضلا عن الجوانب السياسية واجواء قمع الحريات التي وصلتنا عن ذلك الجيل وانعدام الأمن الفكري والتي نرفض رفضا قاطعا النظر بتبعاتها على روايات السنة خشية من الأموات الذين عجزوا عن نقد و استيعاب تلك الأحداث

والاهم الفرق الكبير بين موضوعات واحكام القرآن الكريم وبين ما نقله المحدثون من الروايات
تجد شخصية النبي في القرآن حيية أخلاقية متطرفة إلى الرحمة بينما تنقل المرويات ما يفيد شهوانيته ووحشيته...
حتى لا نستطرد
فإن رقي موضوعات القرآن لا تجاريه مرويات المحدثين والفرق ظاهر لا يخفى، كيف نزعم أن السنة بعمومها شارحة للقرآن والتباين الموضوعي بينهما كبير! إلى متى نرفض الانتباه أن ما وصلنا من المرويات التي نسميها السنة هي أمور قررتها الظروف الثقافية والسياسية بانتقائية .
مجرد مقارنة بين فهارس كتب الحديث وموضوعات القرآن نجد فرقا شاسعا بين الاثنين لا يسمح لنا بالادعاء أن السنة شرح للقرآن

لو أردت الاسترسال في النقود العلمية الصريحة بل والقرآنية التي تكشف زيف كثير من ادعاءات أهل الحديث لاحتجت في ذلك إلى مؤلف ولكن حسبي أني أردت الإيجاز هنا

حسنا إذن لماذا تلتفت إلى تلك المرويات ؟
إن كان هناك ما يحير فعلا في موضوع الروايات فهو أن في بعضها اتساقا ينم عن مصداقية وان لم تكن متسقة مع منهج أهل الحديث أنفسهم

مثلا عندما تدرس شخصية ابن عمر وفق المرويات التي وصلتنا ستجدها متفقة على كونه ضعيفا مترددا ، والاتساق أحد أمارات الحقيقة 

و من المرويات ما يؤيد حسن خلق النبي ومنها ما يفيض نبلا وروحانية وإنسانية تتفق مع جوهر الدين


وقس على ذلك ما اتسق من المرويات مع القرآن الذي هو المرجع الأهم في فهم الإسلام ولا يتنازع عليه اثنان

وتفصيل هذه الاتساقات يطول


لذا أجد أنه من الانسب ألا يبالغ في اعطاء هذه المرويات قوة دينية تضاهي القرآن كما هو حاصل اليوم ومنذ القدم عند عموم العلماء في مختلف الفنون

فلا تكون مثلا مصدرا ﻷحكام كالوجوب أو التحريم تدينا
 بل ما سوى ذلك كالكراهة والاستحباب فواقعها العلمي أدنى من أن تضيف إلزاما دينيا زيادة على القرآن كما أنها فوق أن لا يستفاد منها شيء بإطلاق

وهي بوضعها الذي وصلنا غير جديرة باثبات قضايا دينية كبرى كمسألة القدر مثلا التي هي أقرب أن تكون رأيا أمويا سياسيا لا نبويا دينيا كما أنه ليس في القرآن ذكر للقدر على كونه ركنا للإيمان أبدا .

 بل مرويات المحدثين ظنيات يتساهل فيها لها درجة أقل من ظنية ثبوت اصل الدين بكثير
وأجد هذا مأخذا وسطا في القضية في مرويات نقلت لنا السم والعسل ، فيها سنة وتزوير ، فيها إيمان كفر ، فيها نور وظلام
كما أنها منبع ثقافي هام لفهم عقليات وآراء الأجيال الأولى بعيدا عن الفائدة الدينية


ختاما
لن نجامل على حساب الدين والقرآن ، علم الحديث المتقرر عند أهل الحديث متهافت قرآنا ومنطقا

من يصر على حجيته وإعطاءه مكانة كالقرآن فليفعل ما عجز عنه العلماء المؤسسون له ، من أهم ذلك:

-  النقد الصريح لرجاله وخاصة الجيل الأول ورجال الجرح والتعديل أنفسهم قبل أي شيء آخر، علما بأنه لا تزال الساحة الإسلامية خالية من نقد شامل لرجال الجيل الأول الذين تشير نصوص القرآن ومرويات الأحاديث إلى وجود المتهمين فيهم بصراحة ظاهرة.
- عرض المرويات ومنهج المحدثين على القرآن ومناهج المعرفة والتأكد من عدم خرقها لمنطقه أو بعدها عن رقيه، والثقافة القرآنية تكاد تنعدم عند المحدثين.

وبعد ذلك فإن المرويات التي ستسلم من النقد والسبر العلمي الجاد مرحب بها كظنيات دينية لا قطعيات كمنزلة القرآن ونرتب عليها ما يليق بها بمكانتها دون انتقاص أو رفع.

أختم بهذا النقل الذي ذكره ابن حبان في مقدمة كتابه " المجروحين" عن أهل الحديث في وقته ، يقول:

"صاروا حزبين:
فمنهم طلبة الأخبار الذين يرحلون فيها إلى الأمصار، وأكثر همتهم الكتابة، والجمع دون الحفظ، والعلم به وتمييز الصحيح من السقيم، حتى سماهم العوام:الحشوية.

والحزب الآخر: المتفقهة الذين جعلوا جل اشتغالهم بحفظ الآراء والجدل، وأغضوا عن حفظ السنن ومعانيها، وكيفية قبولها وتمييز الصحيح من السقيم منها، مع نبذهم السنن قاطبة وراء ظهورهم!"

للتذكير هذه مقالة موجزة أدخر تفصيله في مؤَلَّف
وللتذكير توجد مذاهب اليوم استغنت عن مرويات المحدثين بنجاح وباستدلالات قرآنية باهرة استطاعت أن تقدم إسلاما يحترم القرآن والعقل والإنسان في مختلف العلوم الدينية : فقها وتفسيرا وفكرا، والزمان كفيل بزيادة الإنتاج الديني الذي يضع القرآن نصب عينه قبل أي رواية

دمتم بوعي وعرفان
محمد الفودري

الخميس، 10 مارس 2016

هل يقبل القرآن نفسه أن يكون دستورا ؟!

هل سألنا القرآن نفسه عن قابليته ليكون دستورا؟!

ما أن تدخل العاطفة العمياء في نقاش أو قضية حتى يبادر التفهم والمعرفة والإنصاف بالانصراف، إذ ليس بمقدور رزانتهم وسموهم كبحَ جموح عاصفة العاطفة.

جميل هو التساؤل وتبادل الرأي والبحث عن موقع القرآن الكريم في الدول المدنية، ومؤلم ذلك التشنج والدنو والشخصنة في طرحها ومعالجتها.

بلا إطالة أدخل في صلب الموضوع المثير للساحة، مجيبا عن عنوان مقالتي:

هل القرآن نفسه يقبل أن يكون دستورا؟

أ- لا بد من تعريف ما نقصد بالدستور أولا ثم نقارن ما بينه وبين القرآن، تعريف الدستور:
" الدستور هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة." من ويكيبيديا

إذن -من تعريف الدستور- فإنه هناك فروقا جوهرية بينه وبين القرآن ومهام كل منهما أبينها بإيجاز :

1- الدستور  قانون جوهره الإلزام له قوة الإجبار والإكراه عليه، بينما القرآن والتدين الذي يطرحه جوهره الاختيار وينبذ بصراحة الإكراه والإجبار عليه لأنه يرفض إيمانا مزيفا، فكل إيمان ينشأ بإجبار يموت، وآيات حرية اختيار الدين ونبذ الإكراه عليه في القرآن أجلى من أن تحجبها تدليسات الرواة المصادمة والمسيئة لها، إذ يعلنها القرآن صراحة (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، ولم يكن الإجبار على الدين حقا للرسول صلى الله عليه وسلم فضلا عن أن يكون لغيره لا من البشر ولا الدساتير، يؤكد القرآن ذلك في مواضع عديدة (وما أنت عليهم بجبار) و (فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر) و (وما أرسلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل).
إنْ جعلنا القرآن كتابا مُلزما مُجبرا مُكرِها عليه دون اختيار نكون قد أسأنا فهمه وأسأنا تطبيق واحدة من أجمل وأعظم غاياته ألا وهي حرية الاعتقاد به، وكفى بهذا الفرق سببا لعدم جعله دستورا بالمعنى الذي سبق ذكره.

2- الدستور يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة، والقرآن لا يتطرق لهذا أبدا.

3- الدستور يحدد نظام الحكم، والقرآن لا يحدد طريقة للحكم أصلا، نعم هناك قيمة الشورى التي يدعمها القرآن، يمكن أن تسترشد بها في تحديد نظام للحكم لكنك لا يمكنك تعيينه وتحديده بها.

4- الدستور ينظم شكل الحكومة، وينظم السلطات العامة وحدود كل منها وعلاقتها مع بعضها البعض، وليس في القرآن ذلك ، بل دولة النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعت فيها السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية في شخصه الكريم، وما تواتر عن المسلمين بعده عدم فعلهم لذلك إدراكا منهم لتعسره ولذلك تفككت السلطات منذ الجيل الأول، فليس في القرآن تحديد وليس في التطبيق النبوي مجال صالح للاقتداء البشري هنا.

5- يحدد الدستور تفاصيل حقوق الأفراد وضماناتهم تجاه السلطة ، في القرآن بعضها حُدِّد إجمالا وتفصيلا وبعضها لا، مرة أخرى كون القرآن يدعم قيما معينة في هذا المجال فهي صالحة للاسترشاد لا التعيين.

يتضح مما سبق أن جوهر الدستور مغاير لمضمون القرآن فلا يصح أصلا المقارنة بينها.
ب- كتطبيق نبوي لهذه المسألة ، لم نجد النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ القرآن دستورا للمدينة المنورة ، بل جعل بينه وبين أهلها من قبائل المسلمين واليهود والمشركين الوثنيين "صحيفة المدينة" تلك الصحيفة التي لو عرض ما بها من حريات على مطاوعتنا الأعزاء لكانوا من أوائل الكافرين بها إذ هي تصادم قيمهم وفهمهم الديني !
لماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم يفرض القرآن عليهم ؟ لأن هذا ما يقتضيه التعايش السلمي الاجتماعي المتزن الحافظ للحقوق ولأن القرآن لا ينظم تفصيلا ولا تحديدا تلك الأمور.
مطاوعتنا الأعزاء (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)

ج- يخاطب الدستور جميع من هم تحت سلطته من المواطنين والمقيمين في نطاق قدرته السياسية ولا يستثني أحدا من أحكامه ، بينما الخطاب القرآني الذي صرح بأنه لكافة الناس يشير أيضا بقوة إلى أن الدين ليس صالحا لكل البشر، أعلم أن هذه المعلومة صادمة لجماعة العاطفة العمياء إذ أنستهم العاطفة تدبر القرآن والالتفات إلى معانيه.
يصرح القرآن بوجود فئات من البشر من الأولى لهم عدم معرفتهم للدين بل ربما ضرتهم معرفته، يقول تعالى (الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم)، يصرح القرآن بأنه (عمى) لبعض البشر (ولا يزيد الظالمين إلا خسارا).
مثل هذا المعنى الغريب على ثقافتنا الدينية يحتاج إلى تقريب لا أجد أفضل من مثال ما حصل للحسين حفيد النبي صلى الله عليه وسلم حين حال القتلة بينه وبين رحاله حيث النساء والأطفال في نذالة لم يعرفها العرب قبل الإسلام ، صاح بهم : "إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم فحاسبوها إن كنتم عربا!" وكأن إسلامهم صار لعنة ومبررا لانحدراهم ونزع شهامة العروبة ونبل الفرسان!

إذن لمن القرآن ؟ القرآن نفسه يجيب (لمن شاء منكم أن يستقيم) ، (لمن شاء منكم أن يتقدم) تصريح القرآن بهذا يبين أنه اختياري وأنه لمن أراد سلوك طريق الاستقامة والقرب من الله،كتاب هذا حاله جاء للروح والباحثين عن الله خاصة، أرقى من أن ينزل لرتبة دستور يعالج مواضيع دون تلك المنزلة. الخبز الرخيص لكل الناس لكن أطايب الطعام ونوادر الثمر لا ينالها إلا مجد.

د- من أهم المعاني العميقة للقرآن أنه وسيلة إلى الله وإلى حياة ناضجة مفلحة، هو معلم وطبيب للبشرية، لكن هل الطبيب الناجح هو من يزوره مرضاه كثيرا أم من لا يرونه إلا نادرا؟ هل المعلم الناجح هو من لا يستطيع طلابه الاستغناء عن إقحامه في كل صغيرة وكبيرة أم هو ذلك الذي يخرج طلبة مستقلين بذواتهم قادرين على مجابهة الحياة؟ هل نفهم لماذا توقف الله عن إرسال الرسل؟!
أطرح هذه التساؤلات علها تحرك فكرا ينتبه...

 أتمنى أن تتوقف الإساءة إلى القرآن بإقحامه في غير محله واستخدامه في غير ما يريد ولا يرتضيه هو بنفسه ، لنترفع عن جدل الأطفال وخصومة الأنذال إن كنا متدينين فعلا ، أتمنى أن أرى تطرفا بين مطاوعتنا الأعزاء كتطرف نبينا صلى الله عليه وسلم إلى الرحمة، إلى المغفرة والمعذرة والرأفة والشفقة ، يُنزِّل الله تعالى (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) فيصر قائلا: "لأزيدن على السبعين!" صلى الله عليكَ وسلمَ أي إنسانٍ كنت؟! هذا تدين بيننا وبينه سنون ضوئية!

(وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)

دمتم بوعي وعرفان

محمد جاسم الفودري

السبت، 5 مارس 2016

توصيات د ساجد العبدلي لأفضل الكتب والروايات

إرشادات أهل التجارب منيرة للطريق موفرة للوقت وسبيل لنضوج أسرع وأيسر

أحب سؤال أهل الخبرات عن أفضل الكتب والروايات التي تركت في نفوسهم أثرا بحثا عن كنوز تستحق صرف الوقت معها

هذه كانت إجابة المتميز الفاضل د ساجد العبدلي :

أفضل الروايات :

- 100 عام من العزلة للكولمبي غابريل غارسيا ماركيز .

- النمر الأبيض للهندي أرافيند أديغا .

- قواعد العشق الأربعون للتركية إليف شفق .

- طوارق للإسباني ألبرتو باثكث فيكيروا .

- ذاكرة الجسد للجزائرية أحلام مستغانمي .

أفضل الكتب :

- العادات السبع للناس الأكثر فعالية للأمريكي ستيفن كوفي .

- حياة في الإدارة للسعودي غازي القصيبي .

- العرب وجهة نظر يابانية للياباني نوبواكي نوتوهارا .


- الراهب الذي باع سيارته الفيراري للكندي روبن شارما .

الاثنين، 15 فبراير 2016

هل تخلى الله عن الكتاب المقدس ؟ نظرة قرآنية مع تطبيق على قصص الأنبياء


هل تخلى الله عن التوراة والإنجيل ؟ نظرة قرآنية مع تطبيق على قصص الأنبياء


تقدم دراسة مقارنة الأديان خدمة جليلة للأديان نفسها بمذاهبها ، فمن يرى اختلافات الأديان هانت عليه اختلافات مذاهب دينه ، فلأجل تعايش سلمي هي حتم لا ترف .
كيف وإن كانت مقارنة الأديان ومخاطبتها والاعتداد بكتبها المقدسة  – خاصة اليهودية والمسيحية - غاية إسلامية مصرحا بها في القرآن  ؟!

هذا ما أود استعراضه في هذه النظرة الشخصية التي أجدها منسجمة مع روح النص القرآني والرحمة الإلهية الشاملة للبشرية أكثر من غيرها من الأطروحات .

في البدء لا بد من معالجة الفكرة الشائعة عن كون البعثة المحمدية للعرب خاصة وللناس عامة ، إذ هي تحدق بلغة القرآن وتغفل النظر إلى موضوعاته وخطاباته التي تظهر بقوة  أن خصوصية الخطاب القرآن هي لذرية النبي إبراهيم عليه السلام الأب الروحي للديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية ، دون نزاع في صراحة عالمية الخطاب القرآن المتجلية .

يدل على تلك الخصوصية تردد استعمال القرآن لاسم النبي إبراهيم كأيقونة للبيت الإبراهيمي بذريته ، وكثافة نصوصه الواردة عن " بني إسرائيل " و " أهل الكتاب " .
بل يشير القرآن الكريم أن واحدة من غاياته هي فصل خلافات بني إسرائيل ( إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ) ، ويقول ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير ) .

فإذا فهمنا ذلك علمنا سبب غزارة ذكر قصص بني إسرائيل من الديانتين اليهودية والمسيحية وقضاياهم ، وأن ذلك عن سبق إصرار وتعمد ، لا عن سهو واختلاس كما تشير بعض القراءات التي تنقصها النظرة الشمولية ، وعلمنا أيضا مخطط القرآن في تعامله مع انحرافات الكتاب المقدس إذ كانت انتقائية مقصودة لم يتعمد تتبعها بالتفصيل كلها .

بعد هذه اللفتة إلى كون مخاطبة البيت الإبراهيمي مقصدا قرآنيا ، يمكن التساؤل : كيف كانت العلاقة بين القرآن الكريم والكتاب المقدس ؟ إجابة هذا السؤال جزء من إجابة سؤال أكبر منه وهي ما علاقة الإسلام باليهودية والمسيحية ؟ أفضل الاقتصار على إجابة السؤال الأول والذي يكشف بدوره الخلل في فهمنا  لإجابة السؤال الثاني ...

الإجابة التقليدية المنتشرة على هذا السؤال تدعي أن القرآن قد أنهى دور الكتاب المقدس – والذي هو عبارة عن التوراة والإنجيل معا – بحجة كونه ناسخا ومبطلا لهما ومصرحا بتحريفهما وانحرافهما .

لكن ما أن تمرر تلك الإجابة تحت مجهر القرآن فسيظهر لك نقصها .

هي إجابة ناقصة لأنها نظرت فقط إلى النصوص المفيدة للتحريف وأغفلت الأخرى ، فالأكثر
يستشهد دائما بنصوص القرآن الكريم الدالة على التحريف كقوله تعالى ( يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ) ، ( وتخفون كثيرا ) ونحوها . لكن يغفل الآيات التي لها مدلولات أخرى .

تشير نصوص القرآن أيضا إلى وجود الحقانية  والهداية في التوراة والإنجيل بنصوص صريحة غريبة على الفهم السائد ، ففي سورة آل عمران  : ( نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل ، من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان ) ، وهو افتتاح مدهش لسورة قرآنية تقصد لمخاطبة أهل الكتاب ، لا نظن أن الله يجامل أو يحابي أحدا حاشاه تعالى عن الخداع ، لذا لا يمكن أن يُحمل مطلع هذه السورة - الذي يأتي بالقرآن والتوراة والإنجيل في سياق واحد على أنها كتب هداية للناس  - على أنه تزلف وتقرب لأهل تلك الكتب ، بل لأنها حقيقة كذلك .

في سورة المائدة نجد صراحة أشد وأظهر ، منها ذلك السياق الاستنكاري لمجيء اليهود إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم مع تجاهلهم للتوراة الموجودة لديهم ذات الحكم الرباني ، يقول تعالى ( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ) ليصرح القرآن بعدها ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ) وصيغة المضارعة في الفعل ( يحكم ) دالة على الاستمرارية لا الانتهاء ، بل ختام الآية والتي تليها ( ومن ليحكم بما أنزل الله فألئك هم الكافرون – الظالمون ) في سياقات خصوصيتها أقرب لمن لم يُحَكِّم التوراة من اليهود ، أكثر من كونها في من لم يحكم بالشريعة من المسلمين كما هو شائع عندنا !

الأشد صراحة ويؤكد ما سبق ما جاء في سياق الحديث عن الإنجيل ووصفه بأنه هدى ونور وموعظة للمتقين  : ( وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين ، وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) والسياق صريح هنا بأن ما أنزل الله عائد إلى الإنجيل ، بل إننا نتورط في اعتباط لغوي وجناية على العربية حين نقطع خواتم هذه الآيات لنجعلها في الشريعة الإسلامية خصوصا بينما مقصود سياقها الظاهر هو التوراة والإنجيل !

هذه الآيات تقتضي منا مراجعة جدية لفكرتنا الشائعة عن الكتاب المقدس إذ لا يستحق تلك النظرة المنتقصة بإطلاق ، بل ينظر إليه نظرة تحتكم للقرآن الذي كما نص على وقع التحريف فيه فإنه نص على وجود الهداية والنور والعظة أيضا ، ولا تزال ملحوظة لمن يقرأ الكتاب المقدس قراءة منفتحة .

مع التأكيد أن القرآن ينص على كونه ( مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ) فكلمة الفصل في الاختلاف بين الكتاب المقدس والقرآن هي للأخير ، كما أن قواعده التي أرساها منطبقة ينبغي الأخذ بها في رحلة دراسة الكتاب المقدس .

فمثلا عندما ينص القرآن على كون الأنبياء محل هداية واقتداء للبشر ، علمنا من ذلك الاعراض عن ما ينقل عن الأنبياء من إساءات في الكتاب المقدس ، ندع ما كدر ونأخذ ما صفى ، دون إجحاف ودون مبالغة ، بهذا تتحقق الهيمنة للقرآن الكريم خاصة في تصويب الكتاب المقدس وتقويمه .

لكن ماذا عن تصديق القرآن للكتاب المقدس ؟ هل أيده واعتمد عليه ؟ خير مثال واستدلال هنا القصص القرآنية الإسرائيلية وذلك التعاضد المتناغم المحير بينهما .

تقرأ القصة في القرآن وفي التوراة فتجدها لا تكتمل إلا بجمع القراءتين المتناغمتين ، القرآن يجمل والتوراة تفصل ، فإن أجملت التوراة فصل القرآن !

كيف ذلك ؟ ( في الأمثلة تصرف واختصار )

في قصة إبراهيم عليه السلام حين جاءته الملائكة لتبشيره بإسحاق وإخباره عن عذاب قوم لوط
نقرأ في التوراة حوارا دار بين إبراهيم وربه :
يقول إبراهيم : أتهلك الصدِّيق مع الشرير؟ ربما كان في المدينة خمسون صديقا، أتهلكها كلها ولا تصفح عنها من أجل الخمسين صديقا فيها؟
فقال الرب: إن وجدت خمسين صديقا في سدوم صفحت عن المكان كله إكراما لهم .
ثم يقلل إبراهيم العدد المطلوب لنجاة قوم لوط من الصديقين حتى يصل إلى العشرة فيقول : لا يغضب سيدي فأتكلم لآخر مرة: وإن وجدت هناك عشرة؟
قال الرب : لا أزيل المدينة إكراما للعشرة .

انتهى الحوار في التوراة

لحظة أين التكملة ؟ كم صدِّيقا كان في القرية ؟ أين نهاية القصة ؟

صمتت التوراة  ، فقال القرآن : ( فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين )

ليس من عادة القرآن أن ينص على عدد من نجى ، بل ذكره للعدد هنا ملفت ،  أليس في هذا إشارة قوية على إكمال القرآن للحوار في التوراة ؟ ( مصدقا لما بين يديه من الكتاب )

وفي قصة يوسف في القرآن نقرأ أن إخوة يوسف حين دخلوا عليه قال لهم ( ائتوني بأخ لكم من أبيكم ... فإن لم تأتون به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون )

كيف عرف يوسف أن لهم أخا ولماذا كان سيمنعهم من الكيل بناء عليه ، في القصة القرآنية حذف متعمد لا أراه سوى إحالة إجبارية للكتاب المقدس .
وحسن ما فعله المفسرون المسلمون هنا ، إذ هم قد لجؤوا إلى الكتاب المقدس لمعرفة هذا التفصيل الذي أخفاه القرآن لنجد أن القصة في التوراة هي حيلة من يوسف ليعرف أخبار أبيه ويرى أخاه فاتهمهم بكونهم جواسيس جاؤوا لمعرفة نقاط ضعف مدينته ، فدافعوا عن أنفسهم بذكر سبب مجيئهم وعدد أفرادا عائلتهم – وهذا ما أراده يوسف – لذا طلب منهم بعد ذلك أن يأتوا بذلك الأخ الذي تكلموا عنه كإثبات على صدقهم ولنفي تهمة التجسس عنهم .

وبهذه التكملة التوراتية يحل لغز الإيجاز القرآني .

يقول القرآن عن قصة يونس – يونان في العهد القديم – حين ركب السفينة : ( فساهم فكان من المدحضين ) ما قصة تلك القرعة ؟ صمت القرآن لأن التفصيل في الكتاب المقدس .

لا يذكر القرآن عن قصة أيوب إلا نهايتها ، أين تلك القصة الطويلة ؟ هناك في سفر أيوب في العهد القديم .

لو استعرضنا الموضوع فإنه يطول وهو جدير ببحث يخدم التعايش السلمي بين أبناء العمومة أحفاد إبراهيم عليه السلام ، وإنما غرضي لفت الانتباه إلى هذه الظاهرة التي لا تنكر .

تساءلت : لم يفعل الله ذلك ؟

لم كان هناك نقص في قصص القرآن تُكمله التوراة والإنجيل – أو العكس - ليس الله عاجزا عن إتمامه في كتاب واحد ؟
لا أفهم من هذا إلا أن الله يريدنا أن ننفتح على بعضنا البعض ، فكما أن الكتب المقدسة الثلاثة لا تكتمل إلا ببعضها فكذلك نحن البشر وخاصة أبناء النبي إبراهيم .

بل إني لأجد ريح الرحمة الإلهية في طريقة الوحي هذه .. إذ ينزل الله كتابه الأخير لكن دون إجحاف للكتابين اللذين قبله ليشعر أهلهم أن لا زال لكم وجاهة وخير ، وليخبرهم بأن هذا الكتاب أي القرآن امتداد لكتبكم فهلا أقبلتم ؟

وأيضا أفهم هذه الطريقة كخطة إلهية لحمايتنا من قذارة الطائفية ، تجبرنا على أخذ الحق أيا كان منبعه ، وبالتالي تمنحنا قدرة على انفتاح الفكر ، ومن يقدر على الانفتاح على الأديان فهو لمذاهب دينه منفتح أكثر ، والانفتاح الفكري مقبرة الطائفية .

هذا الطرح موجز وحقه التطويل
لكن لا أجد ختاما أفضل من التذكير أن الله هو تعمد تعدد الشرائع اختبارا لنا ، وبنفس الوقت لم يتركنا دون حل أو توجيه ، وما ذكر في هذه السطور عسى أن يكون منها .

قال تعالى :
( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم ، فاستبقوا الخيرا ت ، إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون )

دمتم بانفتاح وتعايش سلمي
محمد الفودري