الأحد، 8 يوليو 2012

السلاحف والملكيات الدستورية



قال البحتري :
صنت نفسي عما يدنس نفسي :: وترفعت عن جَدا كل جبس

من نواميس الطبيعة أن من لم يتكيف معها ولتغيراتها فإنه سيختفي دون رجعة ، هذا المعنى هو ما تحكيه آبار النفط " مقابر الديناصورات " التي رفضت الانصياع لحكمة السلاحف بالتأقلم مع ضغوطات وتغيرات الطبيعة والتكيف معها ، فانقرضت الأولى وعمرت الحكيمة ومن حذا حذوها من الكائنات " الحية " .

سجل التاريخ في العصر الحديث صورا لحالات الملكيات المطلقة منها ما اندثر ومنها ما تقلص لكن ازدهر ، فبينما كان يحلم كل من الملكين قسطنطين الثاني اليوناني وميخائيل الروماني بالمستقبل الوردي لمملكتيهما فإذا هما يستيقظان في كابوس المنفى ، وهما أفضل حالا من القيصر الروسي الذي كانت نهاية آماله الثورة الشيوعية التي قتلته مُزيحة " آل رومانوف " عن سجل الأسر الحاكمة .

وثمة ملكيات مزورة مغشوشة لأنها كانت " صناعة عربية " اخترع لها مصطلح " الملكيات الجمهورية " ! أتى فصل الربيع عليها ليجعلها تعيش في خريف بين نفي وسجن وقتل أو في مخاض ، عجل الله بأزهاره .

في الكفة الأخرى فإن هناك ملكيات رضخت للحكمة فاستمرت " دستورية " كالملكيات الإسبانية والدنماركية والبلجيكية وأخواتها ، وإذا جاء الحديث عن الملكيات المعاصرة فالمملكة المتحدة هي النجم الأوحد دون نزاع ، ولتكن هي محل النظر والعبر ، فلماذا يلاحظ هذا الاستقرار والاشتهار لسلالة الحكم الملكي " آل وندسور " ؟

تقرأ في تاريخها فتجد أن آخر من تحكم بالسياسة كانت الملكة فكتوريا ، أما من أتى بعدها فالتزم احترام رأي الشعب وسيادته ملغيا سلطات مهمة لأجلها ، والغريب أن الناظر يجد أن من حق التاج الملكي العبث ببعض جوانب السياسة الهامة بانفراد كحله البرلمان وإقالة الحكومة ولكن مع ذلك فهو يلتزم " بعرف " !! نعم لعرف دون حاجة إلى تعديلات دستورية جذرية وصراعات برلمانية بل يتنازل محترما لسيادة الشعب واختياره ، بل إن " آل وندسور " تنازلوا حتى عن اسمهم الأصلي " ساكس كوبرغ " مراعاة للحالة النفسية للشعب البريطاني أثناء الحرب مع ألمانيا تحاشيا لذكر الأصل الجرماني للعدو ، ولم تصر عليه !

كما أنها تتقبل الرأي المخالف لها والمعاتب الحاد دون أن يترتب على ذلك سجن أو تصفية أو " أمن الدولة " فتقرأ دون أي حرج موضوعات " صادقة " تتناول مستقبل الأسرة الملكية ومدى قبول المواطنين لاستمراريتها من عدمه ، كما أنك لا تجد فيها منطق التبرير باسم التاج الملكي أبدا بل إن التاج متى ما أخطأ استحق اللوم وليس هو بذاته سببا لطمس القضايا وإجحاف الحقوق ، ولا يخفى النقد الحاد لتوني بلير الذي وجهه إلى الملكة عندما تدخلت لوقف محاكمة " بول بوريل " .

 فبقاء الملكية لا يكلف الشعب كثيرا من الحريات والكرامات وحتى الأموال ، فبقاء الأسرة الملكية لا يكلف المواطنين سوى 52 بنسا سنويا لكل مواطن ( 200 فلسا كويتيا فقط ) !  كما أن مصروفات الأسرة تخضع للرقابة ويخفضها البرلمان بل وتساهم الأسرة في تخفيفها كما فعلت في التخفف من تكاليف الحماية الشخصية ، فهل يخاف الشعب من ملكية هذا حالها ؟

الملفت في النظر أن من مناصب التاج الملكي رئاسة كنيسة إنجلترا " الكنيسة الأنجليكانية " لكنك لا تسمع أي استغلال لهذا المنصب الديني سياسيا أو فرض أيدلوجيا " اسمع وأطع ولو حرق قلبك " كما يلاحظ أن الملكة إليزابيث من مشجعي نادي " أرسنال " لكنك لا تسمع عن تدخلات ملكية في الرياضة أو احتلال لمناصب متعلقة بها !

ومثل هذه الملامح في الملكية البريطانية تشاهد في أخواتها ، وكإيجاز لملامحها فإنها احترمت شعوبها فبادلتها الشعوب الاحترام !!

# ختامية :
يقول الشاعر :
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد :: حياة لنفسي مثل أن أتقدما

دمتم منمنمين بالسعادة والحكمة
محمد الفودري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق