السبت، 7 أبريل 2012

حروب التيارات الدينية ... لماذا ؟

نشرت في جريدة سبر 07-04-2012 http://www.sabr.cc/inner.aspx?id=27635 ولا أدري لماذا تم تعديل بعض الكلمات ؟! شكرا لهم على أية حال على جهودهم المبذولة



في كتابه صاحب العنوان الصريح " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين " لأبي الحسن الندوي  ، تناول مسألة مهمة في سبب انشغال البشرية ببعضها البعض تاركة مشاكلها وهمومها الأساسية متلهية بحروب الطواحين التي قد تصل إلى حروب كونية مرعبة ، مرجعا السبب الأساسي إلى أنها مسألة وضع العداوة في غير موضعها وتغافل الإنسان عن رسالته في الحياة ، تقول العرب : " عند الحفيظة تذهب الأحقاد " وكأنهم يعنون أن انتباه المرء لما هو أسمى يلهيه عن ما هو أدنى ، وبمجرد التغافل فإن الطاقات ستتوجه إلى غير محلها ، فالنار تأكل نفسها إلم تجد ما تأكل ، كقول الشاعر العربي : وأحيانا على بكر أخينا :: إذا لم نجد إلا أخانا ، وكأن قول الشاعر صار طفرة وراثية عربية تفشت بشكل رهيب في الوقت الحالي ، وطرح أبو الحسن حلا لذلك بأنه يجب أن تكون العداوة موجهة ضد جهة معلومة مستحقة لها تفرغ فيها هذه الطبيعة العدائية بما يعود على الفرد والمجتمع بالنفع ، والله تعالى يقول : ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) فقد أحسن الإسلام في توجيه هذه الطاقة دون ضرر على البشرية بل بنفعها .

يقول ثورو : " في عهد السلم والرخاء ، حيث لا بطالة ولا مشاكل بيئية يعيش الناس في إحباط هادئ مستكين " ، وهذا أمر طبيعي بالنسبة للشعوب قليلة الطموح قصيرة النظر ، فعدم وجود ما يشغل همها أيا كان يؤدي إلى حالة الإحباط الهادئ الذي بدوره سيؤدي إلى انشغالها ببعضها البعض ، والغريب أن مثل هذه الحالة انتابت بعضا من التيارات الدينية المعاصرة سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي – وهذا بدوره إلى يشير إلى وجود فراغ فكري وقيمي - والتي يفترض فيها علو سقف الأهداف والمطامح ، ومجيء الحديث بشكل خاص عنها لا يعني أن غير التيارات الدينية غير منشغل بعداوات ومصالح لا تفيد فردا ولا مجتمعا فللبيئة أثرها مع الأسف ، وإنما لأن التيارات الدينية جميعها تدعي تمسكها بالقرآن العظيم الذي هو محل اتفاق بينها وكلها يدعي أن فكرها منبثق عنه ولما لها من سلطان رهيب على أتباعها من خلال استخدام تلك المقدسات سواء الحقيقية أو الوهمية في إخضاع الأتباع لها ، ولكن بعضا منها لم تستغل ذلك النفوذ في توجيه الأفراد والمجتمعات بما ينفعها - وليس الحديث هنا عن أعمال الخير التي لا تنكر - ولكن عن تلك السموم الفكرية التي تغلف بغلاف الدين وتنشر بين المريدين ، للأسف أن تقوم تيارات دينية تنتسب إلى الإسلام واتباع تعاليمه بالتأصيل للعداوة ومحاربة الآخر وغض النظر عن أخطاء التيار ، وتعويد الأتباع على التلقين وتقديس البشر والتخويف من استعمال العقل وكأنه بعبع مهلك جبار ، وأصلت لعداوة من خالفها من التيارات بشكل هو أقرب للجنون فلا تسمع من أي مخالف شيئا ولو كان القرآن نفسه بصريح منطوقه ، وبدلا من توجيه طاقات العداوة والتي تكاد أن تكون طبيعة بشرية إلى محاربة الشيطان والجهل والتخلف والغلظة والكراهية والتعصب ، فإنها وجهت سهامها إلى مخالفيها ومن ثم ينشغل بعض المخالفين من التيارات الثانية بالدفاع وربما الانحطاط إلى نفس أسلوب مهاجميها ، وبورك المؤزمون والمجد للغوغاء وعاشت النهضة !!

كم من طاقات وجهود وأوقات ضاعت وستضيع إن استمر هذا النهج في الأمة ، لأنها اعتادت أن تعيش على مشكلاتها لا أن تمضي في حياتها وتواكب الحضارة وتعز من شأن إسلامها الذي تدعي أنها تعليه ، إن كانت تلك التيارات تدعي وصلا بالإسلام فها هي نصوص القرآن الكريم تقول : ( أذلة على المؤمنين ) و ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) ويقول في شأن المخالفين غير المسلمين : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) فإن كان البر والقسط مستحقا لغير المسلم فما بالهم لا يكون لمخالفيهم من المسلمين نصيب من هذا ؟ أم أن الآيات السابقة – ومثلها من النصوص كثير - لا تعنيهم وليست قرآنا ؟ ليت شعري لماذا لا يلاحظ المرء تطبيقا لها عندهم ؟

إن معالجة مثل قضية توجيه العداوات إلى الجهة الغير مستحقة لها واحدة من تلك الترسبات الفكرية التي تشربت في بعض العقول دون سبر وتمحيص والمجتمع يجني ثمارها السامة اليوم وهي أولى عوائق النهضة التي ينشدها الجميع ، وأفضل الحلول باختصار لمثل القضية السابقة ونحوها يتمثل في موجز ما قاله الألماني المسلم د مراد هوفمان : " كل جيل جديد يأتي بعد الجيل الذي سبقه يجب أن يعيد اعتناقه للإسلام ... وهو ما يعني إعادة فهمه لدينه وإعادة قراءته " .

وكتبه
محمد جاسم الفودري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق