السبت، 27 يونيو 2015

ردٌّ سني على فتاوى تحريم الصلاة خلف الشيعي

( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم ، فاستبقوا الخيرات ، إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون )

ردٌّ سني على فتاوى تحريم الصلاة خلف الشيعي

بعد الحادث الأليم الذي حصل اليوم من تفجير لمسجد الإمام الصادق واستشهاد إخواننا المصلين الصائمين في صلاة الجمعة رحمهم الله وأكرمهم بالجنة ، تداعى عدد من الأخوة السنة الكرام للصلاة في مساجد الأخوة الشيعة الكرام تضامنا وتآزرا معهم وتأكيدا على وحدة ورابطة الدين الإسلامي .

لكن للأسف ، تسارعت بعض فتاوى إبطال الصلاة وتحريمها خلف الإخوة الشيعة مستدلة لفتواها بأن الشيعة يخالفونهم في بعض تفاصيل الصلاة والطهارة وقضايا العقائد الفرعية ومسائل التاريخ ، وكأن خلافهم دين قاطع لا شك فيه !

أقول وباختصار شديد قطعا للطريق على الفتاوى التي أخشى أن تنتج الفتن ، وتفاعلا مسؤولا مع موجة الترابط والتقارب الديني المطلوب شرعا وعقلا ووجدانا ، وبما أدين الله أنه الأقرب لدينه ومرضاته دون مجاملة لأحد في مناقشة وحكم صلاة السني خلف الشيعي :

يستدل المبطل لصلاة السني خلف الشيعي بثلاثة محاور أساسية :

المحور الأول : صفة الوضوء : تحديدا عدم غسل الوجه كاملا ، ومسح الرجلين بدلا من غسلهما .

1- أما عن عدم غسل الوجه كاملا في الوضوء  :

فيتفق كل من السنة والشيعة على تحتم غسل الوجه في الوضوء مع اتفاقهم في أن حده بالطول من منابت الشعر عادة إلى الذقن .

أما الخلاف بينهم فهو حد الوجه في العرض :

- فمن السنةِ من رأى أنه من الأذن إلى الأذن ، ومنهم يرى النقص من هذا الحد إلى العوارض .

- أما الشيعة فلا يشترطون أن يكون امتداد العرض من الأذن إلى الأذن ، بل ما اشتمل عليه الأصبع الوسطى والإبهام عرضا . ( عرض كف واحدة )

كلا الفريقين يفتقر إلى النص القطعي المحدِّد في المسألة  ، كما أنا لو أخذنا عمدة استدلال السنة في تحديد نطاق الوجه لوجدناها مبنية على دلالة اللغة من أن الوجه من المواجهة والواجهة ، وهذا لا يفيد تحديدا دقيقا قاطعا لحد الوجه حتى يكون ملزما بل ظنيا وعرفيا .

والحد الذي يجزئ في الوضوء لدى الأخوة الشيعة تنطبق عليه صفة المواجهة ، ولا نص بتحديد عرض الوجه إلى الأذن أو العارض وإنما مدار المسألة على ظنون ، فيجزئ قول الشيعة إذ تنطبق عليه صفة الوجه قطعا .

وما أدين الله به هنا أن قول الشيعة صواب مجزئ لا تلزم الزيادة عليه ، مع استحبابي تدينا الخروج من الخلاف بالزيادة إلى العوارض ، ومع تأكيد أن المسألة من حيث الأدلة مرنة لا عنت فيها ، ( ولو شاء الله لأعنتكم ) لكن لم يفعل سبحانه ،  فما بالنا نفعل ذلك ونصنع من الظن عداوة ؟

شبيه وقريب من هذا الخلاف السني - الشيعي ، الخلاف السني – السني في تحديد ما يجزئ في مسح الرأس ، ففي الفقه السني  قيل بمسح كل الرأس وقيل بمسح ربع الرأس وقيل يكفي مسح 3 شعرات ولكلهم ظنون مختلفة .
إن استسغنا خلافنا السني الداخلي فخلاف الشيعة في حد الوجه ليس عنا ببعيد ، وحسبنا أننا ندور حول ظنون .

2- مسألة مسح الرجلين في الوضوء :

الغريب في هذه المسألة أن أدلة الفريقين السنة والشيعة هي نفسها لكن يختلف توجيهها ، خاصة أهم أدلة المسألة :

- فمن القرآن الكريم :
- قوله تعالى : ( وامسحوا برؤوسِكم وأرجلكم إلى الكعبين )

اختلف القراء العشر المعتمَدُ على ضبطهم لكلمات وتشكيل آيات القرآن ، في حركة اللام من كلمة ( أرجلكم ) على قولين مُعتمَدين متقابلين :

1- قراءة كسر اللام ( وأرجلِكم ) : أي أنها معطوفة على الرأس الممسوح بنص الآية ، فبالتالي يكون قول الشيعة صوابا لا خطأ فيه بأن الرجل لها حكم المسح كالرأس .
وأما حمل بعض علماء السنة قراءة الكسر على أنها للخفين فمصادمة للنص المحدد إلى الكعبين وفيه تشغيب وتقويل للنص ما لم يقله .

2- قراءة فتح اللام ( وأرجلَكم ) : فبالتالي تكون معطوفة على اليدين المغسولتين ، وبهذا استدل السنة أن الرجل لها حكم الغسل !

ولو لم يكن للشيعة من دليل على مسح الرجلين سوى ما سبق من قراءة كسر اللام لكفاهم ، وهو دليل قرآني قطعي فكيف إن أضيفت إليه بعض من مرويات السنة وعمل الصحابة التي هي من مصادر الاحتجاج في الفقه السني ؟

فروى علي بن أبي طالب – وهو من القائلين بالمسح - أنه قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مسح ظاهرهما " ، أي الرجلين ولم يأت الأثر في سياق الخفين .

- ولما سئل ابن عباس عن غسل الرجلين في الوضوء قال : " إن الناس أبوا إلا الغسل ولا أجد في كتاب الله إلا المسح " ، وكان يقول أيضا : " ما أجد في كتاب الله إلا مسحتين وغسلتين " .

- وكان أنس ينكر على الحجاج الثقفي قوله بغسل الرجلين وكان يمسحهما .

وقد اختار مسح الرجلين في الوضوء بعض من السلف كعكرمة مولى ابن عباس والشعبي والحسن البصري وقتادة وابن جرير الطبري .

- أما حديث ويل للأعقاب أو العراقيب من النار الذي يستدل به السنة في صراحة غسل الرجلين ، فليس فيه حجة للطرفين سواء السنة أو الشيعة لا في الغسل ولا في المسح إذ ليس فيه تحديد لفظي بل يحتمل معناه الأمرين .

ما أدين الله به في هذه المسألة هو نفس اختيار السُّنِّيَين التابعي الحسن البصري وشيخ المفسرين ابن جرير الطبري حيث قالوا بالتخيير بين مسح الرجلين وغسلهما لأن الخلاف هنا في القراءات القرآنية التي جرى اعتبارها ولها قوتها التشريعية الملزمة ، وهو قول جامع للأقوال مزيل للتعارض في هذه المسألة التي تتجلى فيها قوة رأي الطرفين .

لو تأملنا خلاف الشيعة وأدلتهم في هذه المسألة لما كان بعيدا عن خلافات المذهب السني نفسه في مختلف القضايا ، ولكن قاتل الله العصبية كم أعمتنا !

عزيزي السني قد رأيت قوة مباني وضوء الشيعي وأن الخلاف معتبر له نصيبه من القرآن والسنة وعمل السلف ، فهل ستجعل خلافا مثل هذا سببا للتفرقة المنهي عنها !

الثاني : الاختلاف في صفة الصلاة .

 يكفيني هنا أن الخلاف في صفة الصلاة من المستحيل القطع فيه بين المذاهب السنية نفسها فضلا عن المذهب الشيعي .

فلو رأينا أركان الصلاة التي لا تصح الصلاة بدونها أبدا فسنجدها  في الفقه الحنفي 6 ، وعند المالكية 11 ، وعند الشافعية 17 ، وعند الحنابلة 12 .

وهذا الخلاف في الأركان فقط دون التطرق لخلافهم في الشروط والواجبات !

فإن أتيت لموضوع وأركان الصلاة وواجباتها في الفقه الشيعي فستجدها لا تخرج عن شيء مما هو موجود في المذاهب السنية التي يصلي السني خلفها ، فما الفارق ؟

إن تغافلنا عن خلافات الفقه السني رغم اتساعها فالفقه الشيعي ليس بمختلف عنها أبدا بل مقارب لها ومن جنسها .

وهذا التفاوت الكبير بين المذاهب الإسلامية عموما نجد سببه عدم صراحة نصوص صفة الصلاة وكونها مستفادة إجمالا من دلالات ونصوص ظنية محتملة يعسر القطع فيها .

والله الذي فصّل صفة الوضوء في القرآن لم يكن عاجزا عن تفصيل صفة الصلاة أيضا ، ولكن سبحان من يسر الدين .

إن لم ننتبه لهذه الجزئية وأحلنا خلافيات صفات الصلاة إلى مسألة قطعية فنحن مستدركون على الخالق مخالفون لمقصده ، معاذ الله من ذلك .

فخلاصة رأيي هنا أن صلاة السني خلف الشيعي كصلاة الشافعي خلف الحنفي وكصلاة الحنبلي خلف المالكي وكصلاة الزيدي خلف الإباضي ... إلخ

هي صلاة أي مسلم خلف أخيه المسلم الذي بنى أحكام الوضوء والصلاة على أحكام القرآن ونصوص الروايات بغض النظر عن مذهبه .

المحور الثالث : الخلاف في قضايا العقائد والتاريخ :

أهم أركان الإيمان التي نص عليها القرآن وحرَّص عليها خمسة : هي الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين .

ومختلف الطوائف الإسلامية تؤمن بهذه الأركان وتُكَفِّر من يَكفُرُ بها ، ما عدا هذه القضايا خلافٌ هينٌ بالنسبة إليها تتنازعه الظنون والاحتمالات والأعذار ، انظروا أين أكثر خلافات عموم الطوائف الإسلامية في مسائل الاعتقاد ؟ ليست ضمن الخمسة المؤكد عليها قرآنيا بل دونها حتما ، ومجملها فيما لا نص قطعي فيه .

إن تشنجَ سنيٌّ في بعض مسائل الاعتقاد لدى الشيعة فالمسكين لم يعرف مدى خلاف المذهب السني نفسه في بعض مسائلهم الاعتقادية ومع ذلك ما زال يصلي بعضهم خلف بعض – إلا في استثناءات تاريخية مظلمة يدينها الجميع - .

ومن يصر على التشنج مع الشيعة فيلزمه أن يحترم هذا الحدة في الخلاف مع المذاهب السنية ليجد نفسه في النهاية يصلي منفردا دون إمام ، فدينه لا يتسع لنملة .

تعالى الله الذي يسر القرآن وأحكم كتابه وشرع الخلاف ونهى عن الافتراق أن يريد بدينه ذلك .

أما القضايا التاريخية المتمثلة فيما صدر عن الصحابة خاصة من نزاعات فخلاف لا علاقة له بأساس ومحكمات الدين حتى يوالى ويعادى عليه ، اكتمل الدين ومات الرسول صلى الله عليه وسلم قبل حصوله فكيف يجعل منه اليوم دينا ؟!

فحاصل الخلاف العقدي والتاريخي أنه أتفه من أن يشق صف المسلمين ويبعدهم عن الإسلام ويكون سببا لتحريم الصلاة خلف بعضنا بل وأن يكون سببا لمخالفة محكمات القرآن : ( واعتصموا بحل الله جميعا ولا تفرقوا ) ، ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ) ، ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) ، ( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ) .

فإذا بطلت المحاور الثلاثة التي يستند عليها المفتي المحرِّم للصلاة خلف الشيعة بطلت فتواه ، ونحن  إذا لسنا سوى أمام حالة صلاة مسلم خلف أخيه المسلم ، يختلف معه في مسائل فرعية ليس لها ضررها على صلاتهما ولا إسلامهما .


ختاما :

أعتذر عن عنوان البحث المنشور فهو ليس إلا لشد الانتباه ، وإلا فهذا البحث ليس سوى دفاع مسلم عن رأي واجتهاد إخوانه المسلمين والصلاة خلفهم .

وطرحت الموضوع موجزا موفيا لغرضه لما اقتضاه الظهور السريع لفتاوى التفرقة ، وتفصيله وتوسعته جاهزة للمستفسرين .

وأمنيتي أن أرى مساجد الكويت كمساجد الشقيقة عمان ، تسع جميع المسلمين رغم اختلاف مذاهبهم  ، حينها أدرك أن وعينا الديني قد تطور لمراحل لا يمكن أن تنجح داعش ولا غيرها في اختراقه ولا شق وحدته ، وهذا ممكن إن تغلبنا على العادات ، وعملنا بمحكمات الدين ، مدركين لحتمية خلاف البشر ، منتبهين لمقاصد القرآن .
وما يفعله الكويتيون اليوم مؤشر إلى إمكانية ذلك في القريب لا البعيد بإذنه تعالى .


أدعو الله أن تكون هذه الكلمات اليسيرة داخلة في قوله الكريم : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ) وأن يهدينا صراطه المستقيم .


ودمتم منمنمين فقها وتسامحا وأخوة

كتبه
محمد جاسم الفودري
باحث حاصل على درجة الماجستير في الفقه والمقارن وأصول الفقه

هناك تعليقان (2):