الاثنين، 18 مارس 2013

التدرج في ضياع علوم الدين .. تعريف الفقه نموذجا !


هَمّك ما أهَمَّك وبعلو هَمّك تدرك هِمّتَك ... 

استعملت كلمة الفقه في ثلاثة معان ، تغيرت واختلفت تبعا لواقع أهل كل زمن :

الأول : معنى الفقه عند المتقدمين :
جاء في إحياء علوم الدين : " كان اسم الفقه في العصر الأول مطلقا على علم طريق الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب  ، ويدل عليه قوله عز وجل : ( ﯴ  ﯵ  ﯶ     ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ    )[1] وما يحصل به الإنذار والتخويف هو هذا الفقه دون تفريعات الطلاق والعتاق واللعان والسلم والإجارة فذلك لا يحصل به إنذار ولا تخويف بل التجرد له على الدوام يقسي القلب وينزع الخشية منه "[2]، كما " لم يكن السلف يطلقون اسم الفقه إلا على العلم الذي يصحبه العمل "[3].

وكان معنى الفقه أيضا " يعم جميع الشريعة التي من جملتها ما يُتوصل به إلى معرفة الله ووحدانيته وتقديسه وسائر صفاته وإلى معرفة أنبيائه ورسله عليهم السلام ومنها علم الأحوال والأخلاق والآداب والقيام بحق العبودية وغير ذلك "[4]

فهو معنى واسع يبرز فيه الاهتمام بالعلم الشرعي بصفة شاملة لا سيما علم الآخرة وذاك الذي أثمر عملا ، وهذا لا يعني أن " اسم الفقه لم يكن مُتناوِلا للفتاوى في الأحكام الظاهرة ، ولكن كان بطريق العموم والشمول أو بطريق الاستتباع فكان إطلاقهم له على علم الآخرة أكثر  "[5].



الثاني : وهو معنى الفقه عند الأصوليين :
ذكر السبكي[6] تعريف الفقه – وهو المختار- فقال :
" الفقه : العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية "[7].

 وواضح من تعريفه أيضا أنه خاص بالفقه المكتسب عن طريق الاستنباط والاجتهاد ، لأن اكتساب العلم من الأدلة التفصيلية إنما هو من شأن المجتهدين كما سبق بيانه[10].

وهذا التعريف على ما فيه من رقي فإنه لا يعد شيئا مع نظرة المتقدمين للفقه 

الثالث : وهو معنى الفقه عند الفقهاء :
وهو " حفظ الفروع مطلقا سواء كانت بدلائلها أو لا "[11] أو هو " مجموع الأحكام والمسائل الشرعية التي نزل بها الوحي ، والتي استنبطها المجتهدون أو اهتدى إليها أهل التخريج ، أو أفتى بها أهل الفتوى عند الفقهاء "[12].
ومن هذين التعريفين يتضح أن مفهوم الفقه لدى الفقهاء لا يقتصر على المجتهد فقط بل يشمله ويشمل غيره من المشتغلين في مسائله[13].

الغريب أن من يتتبع الموضوع سيجد أن أقل الفقه وفق التعريف السباق يتحقق بتعلم ثلاث مسائل فقهية فقط ! ما أرخصه من فقه وما أكثر فقهاءه !!

لنتأمل كيف كان الفقه قديما وما الذي صار إليه اليوم ، وياترى ما هو كم الفوارق بين فقهاء اليوم وفقهاء الأمس ؟!

هذه التدوينة توضيح لمعنى انحطاط العلوم الشرعية من خلال نموذج من نماذج عدة ، ماذا عن بقية العلوم يا ترى ؟ هل يوجد علم شرعي واحد استمر وظل مهتما للسبب الذي أنشئ له ؟

تجديد العلوم اليوم إن لم يغير العلوم جذريا ويخرجها عن قوالبها الجامدة الخالية من الروحانية والإنسانية فليس سوى تكرار لمآسينا ، يكفي تضييعها لرونق الدين بعد أن كان يفترض بها حفظه بل صار البعض يعبد جمودها واتخذها إسلاما ومنطقا !

ودمتم موفقين 
محمد الفودري


[1] التوبة : 122 .
[2] إحياء علوم الدين لمحمد الغزالي (1/32) .
[3] مفتاح دار السعادة ومنشور دار العلم والولاية لمحمد بن القيم (1/89)
[4] البحر المحيط لمحمد الزركشي (1/17) .
[5] إحياء علوم الدين لمحمد الغزالي (1/32) .
[6] علي بن عبد الكافي بن علي السبكي الشافعي ، أبو الحسن  السبكي الكبير ، تقي الدين قاضي القضاة (683-756هـ) .
انظر : السبكي ، عبد الكافي بن علي بن عبد الكافي (1413هـ) . طبقات الشافعية الكبرى (ط2) . تحقيق محمود الطناخي وعبد الفتاح الحلو . دار هجر للطباعة و التوزيع والنشر (10/139) . الذهبي ، محمد بن أحمد (1408هـ) . المعجم المختص بالمحدثين (ط1) . تحقيق محمد الحبيب الهيلة . الطائف : مكتبة الصديق ص 118.
[7] السبكي ، علي بن عبد الكافي (1404هـ) . الإبهاج في شرح المنهاج (ط1) . بيروت : دار الكتب العلمية (1/28) .
[8] النملة ، عبد الكريم بن علي بن محمد (1999م) . المهذب في علم أصول الفقه المقارن (ط1) . الرياض : مكتبة الرشد . (1/18) وما بعدها بتصرف واختصار .
[9] الإسراء : 32 .
[10] انظر : الغزالي ، محمد بن محمد بن محمد الطوسي (1413هـ) . المستصفى في علم الأصول (ط1) . تحقيق محمد عبد السلام . بيروت : دار الكتب العلمية ص 5 ، الرازي ، محمد بن عمر بن الحسين (1400هـ) . المحصول في علم الأصول (ط1) . تحقيق طه جابر العلواني . الرياض : جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ( 1/92) ، السبكي ، عبد الكافي بن علي بن عبد الكافي (1999م) . رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (ط1) . تحقيق علي معوض وأحمد عبد الموجود . بيروت : عالم الكتب (1/244) ، القرافي ، أحمد بن إدريس الصنهاجي (1994م) . الذخيرة . تحقيق محمد حجي . بيروت : دار الغرب (1/57) ، ابن حزم ، علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي (1404هـ) . الإحكام في أصول الأحكام (ط1) . القاهرة : دار الحديث (5/119) ، السمعاني ، منصور بن محمد بن عبد الجبار (1997م) . قواطع الأدلة في الأصول . تحقيق محمد حسن إسماعيل . بيروت : دار الكتب العلمية (1/20) ، الجويني ، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف (1418هـ) . البرهان في أصول الفقه (ط4) . تحقيق عبد العظيم الديب . المنصورة : دار الوفاء (1/79) ، الجرجاني ، علي بن محمد بن علي (1405هـ) . التعريفات (ط1) . تحقيق إبراهيم الأبياري . بيروت : دار الكتاب العربي ص 216 ، الزركشي ، محمد بن بهادر بن عبد الله (2000م) . البحر المحيط في أصول الفقه (ط1) . تحقيق د محمد تامر . بيروت : دار الكتب العلمية (1/15) ، الآمدي ، علي بن محمد (1404هـ) . الإحكام في أصول الأحكام (ط1) . تحقيق سيد الجميلي . بيروت : دار الكتاب العربي (1/22) ، تاج الشريعة ، عبيد الله بن مسعود البخاري الحنفي (1996م) . التوضيح في حل غوامض التنقيح . تحقيق زكريا عميرات . بيروت : دار الكتب العلمية (1/18) .
[11] ابن عابدين ، محمد أمين (2000م) . حاشية رد المحتار على الدر المختار . بيروت : دار الفكر (6/690) ، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني لمحمود الألوسي (11/49) ، أبو جيب ، سعدي (2000م) . القاموس الفقهي لغة واصطلاحا (ط2) . دمشق : دار الفكر ص 289 .
[12] المهذب في علم أصول الفقه المقارن لعبد الكريم النملة (1/18) .
[13] المصدر السابق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق