" إنه ضال مضل منحرف ، لا بل كتاباته كلها ضلالات وانحرافات وتستحق الحرق ، ولا فائدة من كتبه أبدا وفي كتب من سبقه الكفاية ، إنه جاهل ليس سوى .... " وغيرها من قائمة الاتهامات المعلبة التي لم تبن على قراءة متجردة منصفة ...
الكلام السابق جزء قليل مما يوجه للأستاذ سيد قطب رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - وكل ظلم لميت يدفعه الظالم من حسناته - ذلك الرجل الذي تتناوله ثلاث فئات اثنتان متطرفتان بين حب وبغض لم تنصفاه وواحدة أنصفته فاستفادت منه خيرا كثيرا ، وهو يصلح كنموذج لما يحدث عندما تبالغ الجماعات الدينية في الحب الأعمى المتعصب أو الكراهية للأشخاص وما ينتج عن ذلك من آثار مدمرة للعقل والشخصية ...
=فاصل : كم من نقاش جرى حول هذه الشخصية الفريدة بين مهاجم و مدافع وبعد نهاية النقاش أجد أن كلا الطرفين لم يقرآ حرفا لسيد قطب أصلا !! وتتفشى هذه الظاهرة المجنونة لدى المهاجمين أكثر !! أعقل المهاجمين الذين يقرؤون مواطن الخلل أو ما يتوهم أنه خلل وتظل قراءتهم عوراء =
ليس المقام هنا لتناول الآراء حول شخص هذا الرجل فأبسط القواعد العقلية المسلمة عند جميع التيارات الدينية أن كلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم ولكن المبالغين لا أدري ما المشكلة عندهم مع تطبيق هذه القاعدة مع المرحوم سيد قطب وهم يفعلونها مع كثير من الرواة المتهمين بآراء تخالف آراءهم ، يأخذون عنهم ما صفى ويدعون ما كدر دون تعميم لوجه الخلاف معهم فليت شعري لم لا يعاملون بشر اليوم كما يعاملون بشر الأمس ؟؟
وليس المقام عن تناول الآراء حوله وخاصة المعادية له والتي أكثرها مجحفة في حقه ولا تعرف تاريخه الفكري وتحولاته ، ولا تفكر في إنصافه - ولهذا الهجمة الغريبة أهداف أخرى سيدركها من أدرك قيمة ما كتب سيد رحمه الله - وربما تتجاهل تماما فكرة تراجعه أو لم تسمع عنها أصلا ، فالإنصاف عزيز ومثله عذر المخالف .
= للنظر في هذا الموضوع يرجى زيارة هذا الرابط أو البحث باستخدام أنكل قوقل واختر ما شئت من وجهات النظر والآراء
http://www.uae4ever.com/vb1/Emara3/thread9558.html =
ولكن الحديث هنا إلى قيمة تفسيره وأثره على الفرد المسلم ، طالعت معظم كتب التفاسير وعلى رأسها الأمهات ولكي أكون منصفا ومحددا للمقارنة كنت أختار آية واحدة وأقرأ تفسيرها في أكثر من عشرين كتابا من كتب التفسير سواء النقلية أو العقلية أو المطولة أو الموجزة ...
ما الذي كنت أبحث عنه ؟ كنت أريدا كتاب تفسير يجعلني أعيش مع الآية وأتلذذ بمعناها ويهز الوجدان ويلامس بشرحه القلب والمشاعر فيوقظ العاطفة الدينية التي هي كمثل الوقود في النفس والشعلة المحفزة للمسير ... العاطفة الدينية التي بفقدها تكون قسوة القلب والعقل وجفافهما .
لمن كانت الغلبة في أكثر هذه المقارنات يا ترى ؟؟ كانت لكتاب سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن
لماذا ؟
الناظر في معظم كتب التفاسير يجد أنها مهتمة بالجانب العلمي بصفة كبيرة قليلة التطرق والتفصيل فيما يساعد على التعمق في المعاني ، فكتب النقل تركز على ذكر الآثار وغيرها على الأحكام و مناقشة الأدلة وذكر الاختلافات اللغوية والاختلافات في المعنى و و و - والخلاف يقسي القلب بطبعه - .... طيب أين التفسير المخصص لجانب التعايش مع معاني القرآن ؟ إنه " في ظلال القرآن " ولو قال شخص أن هذا الكتاب جاء ليسد نقص التعايش مع المعاني القرآنية لم يكن مبالغا ، ولا يعني هذا خلوه من الاهتمام بالجانب العلمي ، بالعكس فهو موجود أيضا ويتطرق لقضايا علمية في التفسير كقضية الاعجاز العلمي ويذكر ضمن السياقات بعضا من المعاصرات ، وإذا أخذ بالحسبان مسألة نفور البعض من القراءة في الكتب التراثية فهذا كتاب معاصر بأسلوب رائع مشوق يصلح لمثل هذه الفئة .
لا عليك أيها القارئ الذي لم تقرأ الظلال بمن يتحدث عن سيد قطب رحمه الله وكأنه فاق هتلر وشارون وصدام في الجرم والفظاعة أو أن كتبه تتسرب منها شياطين وأفاعي قرمزية تصفد عقلك وتفسد دينك وحياتك ويجعل محاربته لسيد همه الأول والأخير بل ويعادي ويوالي عليه !!
ولكن أقدم لك فرصة لتقرأ بنفسك بعضا من جميل ما كتب سيد رحمه الله واحكم عليه ، اخترت فقرة أعجبتني وآمل أن تشعر بما شعرت به من مشاعر تراجيدية ، ثم انطلق بعدها واقرأ ما تريد ولا تخف من وصاية أو تهديد .
قال رحمه الله في تفسير سورة الفتح :
{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ}.هذا الدرس كله حديث عن المؤمنين، وحديث مع المؤمنين. مع تلك المجموعة الفريدة السعيدة التي بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة. والله حاضر البيعة وشاهدها وموثقها، ويده فوق أيديهم فيها. تلك المجموعة التي سمعت الله تعالى يقول عنها لرسوله صلى الله عليه وسلم {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبا}.. وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها: «أنتم اليوم خير أهل الأرض».
حديث عنها من الله سبحانه وتعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وحديث معها من الله سبحانه وتعالى: يبشرها بما أعد لها من مغانم كثيرة وفتوح؛ وما أحاطها به من رعاية وحماية في هذه الرحلة، وفيما سيتلوها؛ وفيما قدر لها من نصر موصول بسنته التي لا ينالها التبديل أبدًا. ويندد بأعدائها الذين كفروا تنديدًا شديدًا. ويكشف لها عن حكمته في اختيار الصلح والمهادنة في هذا العام. ويؤكد لها صدق الرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجد الحرام. وأن المسلمين سيدخلونه آمنين لا يخافون. وأن دينه سيظهر على الدين كله في الأرض جميعًا.
ويختم الدرس والسورة بتلك الصورة الكريمة الوضيئة لهذه الجماعة الفريدة السعيدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفتها في التوراة وصفتها في الإنجيل، ووعد الله لها بالمغفرة والأجر العظيم..
{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزًا حكيما}..
وإنني لأحاول اليوم من وراء ألف وأربعمائة عام أن أستشرف تلك اللحظة القدسية التي شهد فيها الوجود كله ذلك التبليغ العلوي الكريم من الله العلي العظيم إلى رسوله الأمين عن جماعة المؤمنين. أحاول أن أستشرف صفحة الوجود في تلك اللحظة وضميره المكنون؛ وهو يتجاوب جميعه بالقول الإلهي الكريم، عن أولئك الرجال القائمين إذ ذاك في بقعة معينة من هذا الوجود. وأحاول أن أستشعر بالذات شيئًا من حال أولئك السعداء الذين يسمعون بآذانهم، أنهم هم، بأشخاصهم وأعيانهم، يقول الله عنهم. لقد رضي عنهم. ويحدد المكان الذي كانوا فيه، والهيئة التي كانوا عليها حين استحقوا هذا الرضى: {إذ يبايعونك تحت الشجرة}.. يسمعون هذا من نبيهم الصادق المصدوق، على لسان ربه العظيم الجليل..
يا لله! كيف تلقوا- أولئك السعداء- تلك اللحظة القدسية وذلك التبليغ الإلهي؟ التبليغ الذي يشير إلى كل أحد، في ذات نفسه، ويقول له: أنت.
أنت بذاتك. يبلغك الله. لقد رضي عنك. وأنت تبايع. تحت الشجرة! وعلم ما في نفسك. فأنزل السكينة عليك!
إن الواحد منا ليقرأ أو يسمع {الله ولي الذين آمنوا} فيسعد. يقول في نفسه: ألست أطمع أن أكون داخلًا في هذا العموم؟ ويقرأ أو يسمع: {إن الله مع الصابرين} فيطمئن. يقول في نفسه: ألست أرجو أن أكون من هؤلاء الصابرين؟ وأولئك الرجال يسمعون ويبلغون. واحدًا واحدًا. أن الله يقصده بعينه وبذاته. ويبلغه: لقد رضي عنه! وعلم ما في نفسه. ورضي عما في نفسه!
يا لله! إنه أمر مهول!
{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}..
{فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبا}..
علم ما في قلوبهم من حمية لدينهم لا لأنفسهم. وعلم ما في قلوبهم من الصدق في بيعتهم. وعلم ما في قلوبهم من كظم لانفعالاتهم تجاه الاستفزاز، وضبط لمشاعرهم ليقفوا خلف كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم طائعين مسلمين صابرين.
{فأنزل السكينة عليهم}.. بهذا التعبير الذي يرسم السكينة نازلة في هينة وهدوء ووقار، تضفي على تلك القلوب الحارة المتحمسة المتأهبة المنفعلة، بردًا وسلامًا وطمأنينة وارتياحًا.
ختاما :
هل الكلام السابق يخرج من رجل جاهل يبغض الدين ونجوم الجيل الأول كما يدعون ويموهون للناس ؟؟ ما سبق مثال واحد وفي الظلال كنوز كثيرة لمن يريد ...
ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله :: وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
ويبقى الكمال لله تعالى ويبقى النقص طبيعة بشرية .
تحياتي لجميع القراء
محمد الفودري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق