قال البحتري :
صنت نفسي عما يدنس نفسي :: وترفعت
عن جَدا كل جبس
من نواميس الطبيعة أن من لم يتكيف
معها ولتغيراتها فإنه سيختفي دون رجعة ، هذا المعنى هو ما تحكيه آبار النفط "
مقابر الديناصورات " التي رفضت الانصياع لحكمة السلاحف بالتأقلم مع ضغوطات وتغيرات
الطبيعة والتكيف معها ، فانقرضت الأولى وعمرت الحكيمة ومن حذا حذوها من الكائنات
" الحية " .
سجل التاريخ في العصر الحديث صورا
لحالات الملكيات المطلقة منها ما اندثر ومنها ما تقلص لكن ازدهر ، فبينما كان يحلم
كل من الملكين قسطنطين الثاني اليوناني وميخائيل الروماني بالمستقبل الوردي
لمملكتيهما فإذا هما يستيقظان في كابوس المنفى ، وهما أفضل حالا من القيصر الروسي
الذي كانت نهاية آماله الثورة الشيوعية التي قتلته مُزيحة " آل رومانوف
" عن سجل الأسر الحاكمة .
وثمة ملكيات مزورة مغشوشة لأنها
كانت " صناعة عربية " اخترع لها مصطلح " الملكيات الجمهورية "
! أتى فصل الربيع عليها ليجعلها تعيش في خريف بين نفي وسجن وقتل أو في مخاض ، عجل
الله بأزهاره .
في الكفة الأخرى فإن هناك ملكيات
رضخت للحكمة فاستمرت " دستورية " كالملكيات الإسبانية والدنماركية والبلجيكية
وأخواتها ، وإذا جاء الحديث عن الملكيات المعاصرة فالمملكة المتحدة هي النجم
الأوحد دون نزاع ، ولتكن هي محل النظر والعبر ، فلماذا يلاحظ هذا الاستقرار
والاشتهار لسلالة الحكم الملكي " آل وندسور " ؟
تقرأ في تاريخها فتجد أن آخر من
تحكم بالسياسة كانت الملكة فكتوريا ، أما من أتى بعدها فالتزم احترام رأي الشعب
وسيادته ملغيا سلطات مهمة لأجلها ، والغريب أن الناظر يجد أن من حق التاج الملكي
العبث ببعض جوانب السياسة الهامة بانفراد كحله البرلمان وإقالة الحكومة ولكن مع
ذلك فهو يلتزم " بعرف " !! نعم لعرف دون حاجة إلى تعديلات دستورية جذرية
وصراعات برلمانية بل يتنازل محترما لسيادة الشعب واختياره ، بل إن " آل
وندسور " تنازلوا حتى عن اسمهم الأصلي " ساكس كوبرغ " مراعاة
للحالة النفسية للشعب البريطاني أثناء الحرب مع ألمانيا تحاشيا لذكر الأصل
الجرماني للعدو ، ولم تصر عليه !
كما أنها تتقبل الرأي المخالف لها
والمعاتب الحاد دون أن يترتب على ذلك سجن أو تصفية أو " أمن الدولة "
فتقرأ دون أي حرج موضوعات " صادقة " تتناول مستقبل الأسرة الملكية ومدى
قبول المواطنين لاستمراريتها من عدمه ، كما أنك لا تجد فيها منطق التبرير باسم
التاج الملكي أبدا بل إن التاج متى ما أخطأ استحق اللوم وليس هو بذاته سببا لطمس
القضايا وإجحاف الحقوق ، ولا يخفى النقد الحاد لتوني بلير الذي وجهه إلى الملكة
عندما تدخلت لوقف محاكمة " بول بوريل " .
فبقاء الملكية لا يكلف الشعب كثيرا من الحريات
والكرامات وحتى الأموال ، فبقاء الأسرة الملكية لا يكلف المواطنين سوى 52 بنسا سنويا لكل مواطن (
200 فلسا كويتيا فقط ) ! كما أن مصروفات
الأسرة تخضع للرقابة ويخفضها البرلمان بل وتساهم الأسرة في تخفيفها كما فعلت في
التخفف من تكاليف الحماية الشخصية ، فهل يخاف الشعب من ملكية هذا حالها ؟
الملفت في النظر أن من مناصب التاج
الملكي رئاسة كنيسة إنجلترا " الكنيسة الأنجليكانية " لكنك لا تسمع أي
استغلال لهذا المنصب الديني سياسيا أو فرض أيدلوجيا " اسمع وأطع ولو حرق قلبك
" كما يلاحظ أن الملكة إليزابيث من مشجعي نادي " أرسنال " لكنك لا
تسمع عن تدخلات ملكية في الرياضة أو احتلال لمناصب متعلقة بها !
ومثل هذه الملامح في الملكية
البريطانية تشاهد في أخواتها ، وكإيجاز لملامحها فإنها احترمت شعوبها فبادلتها
الشعوب الاحترام !!
# ختامية :
يقول الشاعر :
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد :: حياة
لنفسي مثل أن أتقدما
دمتم منمنمين بالسعادة والحكمة
محمد الفودري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق