الأهم من تتبع القضايا والمسائل الصغيرة هو الاهتمام و تكوين
المنهج الذي يوصل إليها ويشكلها بدلا من انتظار اجتهادات الآخرين ، أي أن تصنع صنارتك
بدلا من سؤال الناس السمك !
أجمل وأقوى وأنصف منطلق لفهم الدين الإسلامي هو فهمه من خلال
القرآن الكريم وفق المنهجية التي يحددها هو قبل أخذ الفهم من غيره ، فهل فعلا ذكر القرآن منهجا لفهمه ؟ وهل فعلا التزمتها
المذاهب الإسلامية أم غفلت عنها ؟ لندخل إلى الموضوع مباشرة مع اهم القواعد :
القاعدة الأولى : اللغة العربية أساس الفهم :
( إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ ) ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ
لَهُمْ )
ينص القرآن الكريم
أن اللغة العربية هي الوسيلة لفهمه ولم تختر عبثا لنتركها إلى غيرها ، وهنا يمكن
تتبع نصوص الشعر ونصوص الروايات للاستفادة من تفسيرها ومقاربة المعنى لغويا فقط ،
وليس لحجية المرويات عن السلف ، فهي إن خرجت عن حدود اللغة وتدخلت في التفسير صارت
اجتهادات شخصية غير ملزمة مباشرة .
ونادرا ما تجد تعارضا بين معاجم اللغة واستخدام القرآ
للكلمة كما حصل في مصطلح النسخ ، فهنا عليك
بالقاعدة الثانية
القاعدة الثانية : فهم القرآن موجود في القرآن
نفسه وهو مستغن عن غيره
يقول الله تعالى : ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ
بِهِ ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ـ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) سورة القيامة
يذكر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم مباشرة أن وظيفة
بيان القرآن هي من شأنه سبحانه .
وكون بيان القرآن موجود في القرآن في نفسه ميزة يجب عدم الركون
إلى غيرها أبدا لما يلي :
1- بهذه القاعدة يكون القرآن بمثابة الدستور ومذكرته التفسيرية
كما نقول " منه وفيه " وفي هذا أفضل صيانة له وتيسير لفهمه بعيد عن
المطولات المبعدة عنه في الواقع .
2- حصانة ضد التلاعب واللجوء إلى الطرق الضعيفة لفهمه وتفسيره
كالروايات والنقل والتفسير الباطني ، ولننتبه ان الآية كانت تخاطب النبي صلى الله عليه
وسلم ! أي وبلغة أخرى كأن القرآن يقول ليس من شأن الروايات المنسوبة إلى النبي دخل
في تفسيري ! ولا عزاء لكتب التفسير بالنقل التي يهاجم فكرتها القرآن بشدة .
القاعدة الثالثة : أخذ معنى الآية كما يفرضه
السياق وكما يتماشى مع بقية الآيات دون تجزئة .
( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ )
يذم القرآن من جعلوه عضين ، أي من التعضية وهي التفرقة
والتجزئة ، والنص شامل للانتقائية في اختيار المعاني القرآنية كما تشمل الانتقائية
في تطبيقه
ولتجنب الوقوع في هذه الإشكالية يظهر الحل هنا في
التفسير الموضوعي ، أي أن نجمع كل الآيات المتعلقة بالموضوع أو المصطلح ثم نقاربها
بحيث تكون نتيجة بحثنا وتفسيرنا لا تتعارض مع أي آية ولا تأخذها من سياقها بحيث
تفسد معنى السياق ، أليس هذا تجردا ومنهجا علميا ؟
القاعدة الرابعة : لكل مصطلح في القرآن معناه
الخاص به الذي لا يشاركه غيره فيه ، أي لا ترادف ولا اعتباط في الألفاظ القرآنية
(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا
وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا )
يستفاد من هذه الآية إحدى القضايا المنهجية الكبرى وهي
نفي الترادف في القرآن وأن عباراته صيغة بدقة ، فالتفرقة بين الإسلام والإيمان
المشاع عنهما الترادف منذ زمنه صلى الله عليه وسلم ، لكن تفرقة القرآن بينهما لفتة
واضحة مهمة إلى أن ألفاظه صيغت بدقة يجب مراعاتها
عند تأمل ألفاظ القرآن ستجد حرصه بالتفريق بين الكفر
والشرك والظلم ، والكافرين والمنافقين والمؤمنين والناس وأهل الكتاب ، والظن
واليقين وغيرها من الألفاظ التي لو حرر معناها قرآنيا لتبدلت ثقافتنا
أظن أن القواعد السابقة المنهجية من أهم القواعد التي
يجب ألا تغفل ، وهجرها وتقديم غيرها عليها هجر للقرآن ، وليس من شأن المقالة الإسهاب ولكنها مفاتيح وأعلم
أن الموضوع يثير التساؤلات لكن شفاءها البحث والنظر ،
وأتنمى لكم صيدا إيمانيا رائعا بالصنارة :)
ودمتم بخير
محمد الفودري