الثلاثاء، 21 يونيو 2016

مشكلات علم الحديث العلمية باختصار شديد

(وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)

هذه مجموعة أدلة موجزة عن رأيي في موضوع علم الحديث وأهله باختصار شديد عسى أن أتفرغ لبسطه لاحقا :

بداية أعجز عن إعادة تلك الثقة القوية لأسانيد المحدثين وعلم الرجال عن اطلاع ودراسة ، يكفي أن الجيل الأول عند الرواة متجاوز عن أحوالهم عند أهل الحديث رغم كونهم أساس السند ، وكفى بذلك خللا منهجيا ، بينما في القرآن نصوص صريحة مسقطة للثقة والعدالة عن بعضهم صراحة ، من ذلك :

-(وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم) ولكن يبدو أن أهل الحديث يعلمون شيئا لا يعرفه النبي عن منافقي جيله لأنهم يوثقون الجيل الأول من المسلمين كلهم لمجرد رؤيتهم للنبي مهما ارتكبوا من الآثام ودون نظر إلى احتمالية كونهم منافقين الصريحة بنص القرآن!

-(يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم) القرآن يصرح أن هناك سماعون - صيغة مبالغة - لمن يبتغي الفتنة زمن النبي وهم من الجيل الأول الموثوق بهم إطلاقا عند أهل الحديث .

-(بيت طائفة منهم غير الذي تقول) وهنا القرآن يتحدث عن تزوير الأحاديث في زمن النبي نفسه أي من الجيل الأول نفسه ،وهي ظاهرة ليس لها ذكر عند أهل الحديث لغياب الثقافة القرآنية عنهم.

بل نقلت نصوص الرواة إدانات مشابهة يتجاهل أهل الحديث تبعاتها 
- من ذلك حديث "في أصحابي اثنا عشر منافقا" ولم يكلف أهل الحديث عناء التنقيب عنهم واستثناءهم من التوثيق المطلق.
-وحديث "انك لا تدري ما أحدثوا بعدك" الذي هوصريح في كونهم أشخاصا من الجيل الأول!

بل بعض المحدثين أنفسهم من تراجع وترك الرواية ولهم تصريحات مؤلمة ، وأيضا يندر عند أهل الحديث مجرد الإشارة إلى تلك التراجعات
فعن ابن المبارك "اللهم اغفر لي رحلتي في طلب الحديث"
وعن شعبة "إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون" وله ما هو مؤلم أكثر وتصريح بأن ثلثا ما حدث به كذب لا يصح
وعن سفيان الثوري "لو كان في هذا الحديث خير لنقص كما ينقص الخير، ولكنه شر فأراه يزيد كما يزيد الشر" وقول الثوري ينتقد ظاهرة زيادة الأحاديث كلما تأخرنا عن زمن النبي وشحها كلما اقتربنا من ذلك الزمن ، ألا يفترض العكس ؟!
وهذا مبحث يطول

 فضلا عن اتهامات كبار أهل الحديث لبعضهم ، من ذلك بإيجاز
في مقدمة صحيح مسلم- والذي يعرف بأنه من أواخر من تتلمذ على البخاري ويحكى عنه مرافقته عند موته!- يشير إلى البخاري تلميحا بكونه من المنتحلين لعلم الحديث وللأسف يؤكد الذهبي والقاضي عياض هذه التهمة دون استرسال لتبعاتها
ولا تخفى قصة مهزلة تضعيف الرازيين - من كبار رجال الجرح والتعديل- للبخاري التي أراها جارحة لعدالتهم قبل عدالته لرأيه في المسألة التافهة "لفظي بالقرآن مخلوق" والتي تكشف عن فوضى التوثيق عند علماء الجرح والتعديل وضيق أفقهم الفكري بشكل لا يطاق

وحسبي بالصحيحين مثلا وإلا فالاتهامات بين كبار أهل الحديث لبعضهم أكثر

فضلا عن الجوانب السياسية واجواء قمع الحريات التي وصلتنا عن ذلك الجيل وانعدام الأمن الفكري والتي نرفض رفضا قاطعا النظر بتبعاتها على روايات السنة خشية من الأموات الذين عجزوا عن نقد و استيعاب تلك الأحداث

والاهم الفرق الكبير بين موضوعات واحكام القرآن الكريم وبين ما نقله المحدثون من الروايات
تجد شخصية النبي في القرآن حيية أخلاقية متطرفة إلى الرحمة بينما تنقل المرويات ما يفيد شهوانيته ووحشيته...
حتى لا نستطرد
فإن رقي موضوعات القرآن لا تجاريه مرويات المحدثين والفرق ظاهر لا يخفى، كيف نزعم أن السنة بعمومها شارحة للقرآن والتباين الموضوعي بينهما كبير! إلى متى نرفض الانتباه أن ما وصلنا من المرويات التي نسميها السنة هي أمور قررتها الظروف الثقافية والسياسية بانتقائية .
مجرد مقارنة بين فهارس كتب الحديث وموضوعات القرآن نجد فرقا شاسعا بين الاثنين لا يسمح لنا بالادعاء أن السنة شرح للقرآن

لو أردت الاسترسال في النقود العلمية الصريحة بل والقرآنية التي تكشف زيف كثير من ادعاءات أهل الحديث لاحتجت في ذلك إلى مؤلف ولكن حسبي أني أردت الإيجاز هنا

حسنا إذن لماذا تلتفت إلى تلك المرويات ؟
إن كان هناك ما يحير فعلا في موضوع الروايات فهو أن في بعضها اتساقا ينم عن مصداقية وان لم تكن متسقة مع منهج أهل الحديث أنفسهم

مثلا عندما تدرس شخصية ابن عمر وفق المرويات التي وصلتنا ستجدها متفقة على كونه ضعيفا مترددا ، والاتساق أحد أمارات الحقيقة 

و من المرويات ما يؤيد حسن خلق النبي ومنها ما يفيض نبلا وروحانية وإنسانية تتفق مع جوهر الدين


وقس على ذلك ما اتسق من المرويات مع القرآن الذي هو المرجع الأهم في فهم الإسلام ولا يتنازع عليه اثنان

وتفصيل هذه الاتساقات يطول


لذا أجد أنه من الانسب ألا يبالغ في اعطاء هذه المرويات قوة دينية تضاهي القرآن كما هو حاصل اليوم ومنذ القدم عند عموم العلماء في مختلف الفنون

فلا تكون مثلا مصدرا ﻷحكام كالوجوب أو التحريم تدينا
 بل ما سوى ذلك كالكراهة والاستحباب فواقعها العلمي أدنى من أن تضيف إلزاما دينيا زيادة على القرآن كما أنها فوق أن لا يستفاد منها شيء بإطلاق

وهي بوضعها الذي وصلنا غير جديرة باثبات قضايا دينية كبرى كمسألة القدر مثلا التي هي أقرب أن تكون رأيا أمويا سياسيا لا نبويا دينيا كما أنه ليس في القرآن ذكر للقدر على كونه ركنا للإيمان أبدا .

 بل مرويات المحدثين ظنيات يتساهل فيها لها درجة أقل من ظنية ثبوت اصل الدين بكثير
وأجد هذا مأخذا وسطا في القضية في مرويات نقلت لنا السم والعسل ، فيها سنة وتزوير ، فيها إيمان كفر ، فيها نور وظلام
كما أنها منبع ثقافي هام لفهم عقليات وآراء الأجيال الأولى بعيدا عن الفائدة الدينية


ختاما
لن نجامل على حساب الدين والقرآن ، علم الحديث المتقرر عند أهل الحديث متهافت قرآنا ومنطقا

من يصر على حجيته وإعطاءه مكانة كالقرآن فليفعل ما عجز عنه العلماء المؤسسون له ، من أهم ذلك:

-  النقد الصريح لرجاله وخاصة الجيل الأول ورجال الجرح والتعديل أنفسهم قبل أي شيء آخر، علما بأنه لا تزال الساحة الإسلامية خالية من نقد شامل لرجال الجيل الأول الذين تشير نصوص القرآن ومرويات الأحاديث إلى وجود المتهمين فيهم بصراحة ظاهرة.
- عرض المرويات ومنهج المحدثين على القرآن ومناهج المعرفة والتأكد من عدم خرقها لمنطقه أو بعدها عن رقيه، والثقافة القرآنية تكاد تنعدم عند المحدثين.

وبعد ذلك فإن المرويات التي ستسلم من النقد والسبر العلمي الجاد مرحب بها كظنيات دينية لا قطعيات كمنزلة القرآن ونرتب عليها ما يليق بها بمكانتها دون انتقاص أو رفع.

أختم بهذا النقل الذي ذكره ابن حبان في مقدمة كتابه " المجروحين" عن أهل الحديث في وقته ، يقول:

"صاروا حزبين:
فمنهم طلبة الأخبار الذين يرحلون فيها إلى الأمصار، وأكثر همتهم الكتابة، والجمع دون الحفظ، والعلم به وتمييز الصحيح من السقيم، حتى سماهم العوام:الحشوية.

والحزب الآخر: المتفقهة الذين جعلوا جل اشتغالهم بحفظ الآراء والجدل، وأغضوا عن حفظ السنن ومعانيها، وكيفية قبولها وتمييز الصحيح من السقيم منها، مع نبذهم السنن قاطبة وراء ظهورهم!"

للتذكير هذه مقالة موجزة أدخر تفصيله في مؤَلَّف
وللتذكير توجد مذاهب اليوم استغنت عن مرويات المحدثين بنجاح وباستدلالات قرآنية باهرة استطاعت أن تقدم إسلاما يحترم القرآن والعقل والإنسان في مختلف العلوم الدينية : فقها وتفسيرا وفكرا، والزمان كفيل بزيادة الإنتاج الديني الذي يضع القرآن نصب عينه قبل أي رواية

دمتم بوعي وعرفان
محمد الفودري